كأنك من الجماعة ! / م . عبدالكريم ابو زنيمه

كأنك من الجماعة !

كنت في زيارة لأصدقاء لي يعملون في الزراعة ،وجدت أحدهم قد هجر مزرعته نتيجة لانهيار هذا القطاع أما الآخر فلا زال يكافح لعل وعسى أن يتعافى هذا القطاع بالرغم من الخسائر المتتالية التي لحقت به كغيره من المزارعين خلال الأعوام الماضية.
استقبلني صديقي بكل حفاوة ووقفنا سوية بجانب بركة الماء الخاصة لريّ المزرعة والتي كانت مملؤة بالماء وتعجّ بالاسماك المختلفة الألوان التي تلعب وتقفز فوق سطح الماء كراقصات الباليه ،كانت البركة نقية وصافية وخالية من أية شوائب وتحفها نباتات زينة مختلفة الألوان ،ومن بعدها تتراءى المزرعة بكامل زينتها الخضراء وزهور محاصيلها ،مشينا سوية باتجاه المزرعة التي هجرها صديقنا الثالث وتوقفنا عند بركة الماء التي لا زالت تحتفظ بالمياه الداكنة اللون والتي تفوح منها روائح كريهة وتطفو على سطحها نباتات طُفيلية وطحالب وبصعوبة رأينا في قعرها مخلفات من علب السردين والفول والأحذية القديمة وغيرها ومن حولها بعض الضفادع ،وهناك في أرض المزرعة مخلفات بلاستيكية وقطع حديدية ونباتات شوكية وغيرها من المخلفات ،دعاني صديقي للعودة الى مزرعته لكني لم أعره انتباهي وطال صمتي إلى أن قال لي :يا رجل قتلتنا الريحة !نظرت إليه ودار بيننا الحوار التالي:
أنا : احنا متعودين عليها
هو : كيف ما فهمت ؟!
أنا : هاتين المزرعتين تمثلان الدول المتحضرة والدول المتخلفة
هو :كمان ما فهمت !
انا : انظر إلى مزرعتك إنها تشبه دولة متحضرة…ولنفرض إنها سويسرا…ماؤها يتجدد بمواعيد محددة ولذلك تبقى صافية نقية شفافة تعجّ بالحياة ولا مكان فيها لنمو الطحالب الانتهازية وكل ما فيها يتحرك ويتفاعل مع محيطه ،ونتيجة لمواظبتك على ري مزرعتك فلإنها تنبت وتزهر وتقطف ثمارها،أي أن هناك دماء جديدة متجددة تتداول تقديم أفضل البرامج وإدارتها وتحصد نتائجها الإيجابية بكل شفافية ،أما بركة صاحبنا فماؤها الداكن اللون غير المتجدد الذي تفوح منه كل الروائح فهو يمثل حكومات العالم المتخلف التي تولد وتموت وهي في المناصب وتورثه لمن بعدها من نفس جيناتها ،اما الطحالب فهم الانتهازيون واللصوص وسماسرة الأوطان والصداحون بحناجرهم الثورية والراقصون على أنغام أنين الشعوب وقهرهم وجوعهم…أما الحصاد فهو مخلفات بلاستيكية وغيرها تماماً كما هي نتائج إنجازات من توارثوا وتبادلوا المناصب والمسؤوليات
هو : وأين نحن الشعب ؟
انا : انظر…انظر جيدا هناك في القعر…هل ترى شيئاً !!!
صمت كلّ منا وعدنا إلى بركة الماء… إلى سويسرا ،وبعد لحظات بدأت الضفادع بالنقيق.
هو :قم…قم لأريك كيف أخرس اصوات الضفادع العالية…واستل من احد البراميل رغيف خبز يابس … ووقفنا عند حافة البركة….
هو :انظر لذلك الضفدع الاحمر عال الصوت…وذاك أبو دقن ماذا سيفعلان الآن…وغاصا إلى قعر البركة وبدأ يضربان بأرجلهما المخلفات الموجودة في القعر وأنضم الى حراكهما بقية الضفادع وولّدا حراكاً وصخباً وانضم اليهما بقية الضفادع وأصبح هناك هياجاً غير طبيعي….
أنا : شو عملت يا رجل بدل …بدل ما تكحلها…عميتها
هو : ضحك بخبث….طوّل بالك يا رجل…وبدأ ينادي…تعال يا أبو جلد احمر ورمى له كسرة خبز…التقطها الأحمر بسرعة تاركاً رفاقه وسبح في الماء الداكن واندس بين الطحالب وغير لونه الأحمر وتلون بلون الطحالب…ثم نادى على أبو دقن…تعال يا أبو دقن ورمى له كسرة خبز وفعل كما فعل الأحمر تاركاً جماعته واندس بين الطحالب…وكذلك فعل مع أبو رسالة…وأبو عهد وأبو جبهة…الخ…لحظات وسكن الحراك وكأن شيئاً لم يكن ، وساد صمت كصمت القبور
أنا : يخرب بيتك ما أخبثك…شو من زمان مربيهم على ايدك ؟…كأنك من الجماعة !
هو : مين….الاخوان ؟
أنا :لا يا رجل الجماعة اللي معك خبرهم !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى