قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ؟ / عبد اللطيف مهيوب العسلي

قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ؟

إلهي :
إلهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك,؟
أيكون لغيرك من الظهور ما ليس بك حتى يكون هو المظهر لك. ؟
متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك .؟
عميت عين لا تراك عليها رقيباً وخسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبك نصيباً.
إلهي :
أمرت بالرجوع إلى الآثار – (( قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (101)1 – فارجعني إليها بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار حتى أرجع إليك منها كما دخلت إليك منها مصون السر عن النظر إليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها إنك على كل شئ قدير. )2
ولأن الانسان هو الذي يفهم الله وينبع ذلك من حقيقة أن فهم الانسان لنفسه هو في الحقيقة فهم لخالقه و للمحيطين به وواقعه
ولأن الدين يخص الشخص نفسه ولمصلحته في المقام الاول ، لذلك ليس لأحد أن يجبر شخصا آخرا على ما يجب عليه أن يؤمن به وما يعتقده بأن يفرض عليه دينا معينا تحت مبرر مصلحة المتدين وسعادته حتى ولو كان الاكراه صادرا من أحد الوالدين ، لان ضرر اكراهه وقتله أشد من ضرر بقائه بلا دين وأشد ضررا من بقائه على دين باطل ، ولان الدين شأن خاص يعني الشخص نفسه قال تعالى: ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) )) 3
فإن الإيما ينشأ من قناعة الشخص نفسه وﻻ عبرة لايمان المكره أو المقلد .
، وبما أن كل ما هو محسوس وملموس لم يكن موجودا ثم وجد وكذلك فإن مآله الى زوال فإن فكرة الدين تتمحور على فكرة وجود الخالق الذي لا خالق له والذي ﻻ يزول وهو الرابط بين ماكان وما سيكون .
ولأن الايمان بوجود الاله الخالق لكل مخلوق انما تنشأ بالعقلية اضطرارا قام عليه البرهان لا يجد العقل سبيلا الى نفيه ولا طريقا إلى جحوده. وتوضيح ذلك

إنه إذا جالت هذه العقول في آفاق استبصارها بأجنحة افكارها .أدركت أنها لم توجد ذواتها فقد أتى عليها حين من الدهر لم تكن فيه شيئا مذكورا ، فأصبحت بعد الممات حيا منظورا ، وبعد العدم شيئا مذكورا , و كذلك هي لم توجد غيرها، وأن الطبيعة هي الاخرى مفتقرة لوجود نفسها وبالتالي لم توجد غيرها ، اضف الى ذلك أن وجود الواقع الخارجي من اله وكون وإنسان مستقل عن عقولنا وخارج عن رغباتنا فهو واقع موجود رغبنا أم لم نرغب ، وبما أنه موجود فهو يوجد بطريقة ما ، ونحن نستطيع أن نتعرف عليه ، وتكون معرفتنا له صحيحة أو خاطئة بحسب مطابقة معرفتنا للواقع الذي يوجد عليه ، وفي حال عدم تطابق هذه المعرفة بين مجموع الناس لا يلغي الوجود وﻻ الموجود – بضم الميم وكسر الجيم – بل يدل على تفاوت درجات هذه المعرفة من ناحية ، ومن ناحية أخرى يؤكد حيقة وجود الموجد ( الخالق ) فعلى سبيل المثال عدم تطابق معرفة من سابقنا في ماهية الشمس (حجمها والمسافة بينها وبين الارض …الخ ) مع معرفتنا لها في هذا الزمن لم يلغ وجودها بل يؤكده، إذا فنحن لم نوجد الواقع بل نتعرف عليه ونكتشفه. ، كما أن ما سوى الله من هذا العالم ( الواقع الخارجي )لم يوجد نفسه ولا تدعى ذلك فمن باب أولى ان من لم يوجد نفسه لم يوجد غيره ، فالخالق إذ هو أكبر من الكون وأكبر من الانسان الذي يتعاقب وجوده جيلا بعدجيل وأمة بعد امة.
و عجز العالم عن الايجاد بما فيه من كواكب واجرام بافلاكها و نجومها وقمرها وشمسها ، وعجزت عن إيجاد ذواتها ، وحصل للنفس البشرية معرفة ذاتها ، وأدركت غرائب صفاتها ، إذ هي القادرة وحدها بما وهبها الله من عقل من دون مخلوقات الأرض أن تعبر عن معرفتها بواقع نفسها ، وتعبر عن معرفتها القائمة على الواقع الخارجي وعلاقتها به ، والعلاقة بين مختلف مكونات هذا الواقع، وبحتمية وجودها اضطرارا قام عليه البرهان بوجود خالقها ؛ فحقيقة وجودها هو وجوده ، وجحودها لوجودها هو جحوده ..فكلما همت أن تنفي خالقها وقع النفي عليها ، وكلما أرادت أن تجحده سرى الجحود إليها ، فكما لا تجد لنفي ذواتها سبيلا , وﻻ لجحود صورها طريقا ، كذلك ﻻ تجد سبيلا إلى نفيه وﻻ طريقا إلى جحوده ، فحينئذ أتضح لها طريق النسبة إليه ، وعلمت أنها أنوار الدلالة عليه ..كأنواع الثمرة الدالة على صفة الغرس ، وكمعنى الحركة الدالة على جوهر النفس ، وكأنوار الفجر الدال على ذات الشمس، وكعذب الماء الدال على عذب الفرات .
وبحتمية تراتب هذه العلاقات انعقد وجودها بوجوده، .وأقتترن جحودها بجحود
، واتصل سبب شاهدها بمشهوده ونطق ترجمان الحق بما ثبت لديه بشاهدتي الواقع والعقل ، …بما نطق به إبراهيم الرشد – عليه السلام – في تدينه الحنيف الحق :
(( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)))
فيا لها من شهادة فاح طيبها وعبق عبيرها، وثقلت في السماوات والأرض وزنها ، وعدم في الملك والملكوت نضيرها .
(( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79))) من سورة الأنعام.
ومن يرغب عن ملة إبراهيم اﻻ من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين .
فمن لا يعترف بهذه الحقيقة الكبرى أم الحقائق المطلقة فأنى له أن يعترف بغيرها فإذا كان هذا الانسان والكون ليس شاهدة لخالقها دالة عليه راجعة اليه ، فان كان الموجود لها وهم فان وجودها من باب أولى هي الأخر ى وهم وهو محال ، ولهذا أقرت به العقول إلا من نكس بالجهل رأسه وسفه كما يسفه الحمار نفسه .
وﻻن وجود الله حقيقة ﻻ تستطيع العقول أن تجادل فيه والاحاطة به مستحيلة لانه اذا كان الانسان لا نستطيع ان نحيط علما بالكون فمن باب أولى فإنها عجزة ان تحيط علما بخالقها الذي هو أكبر وأعلى وأعظم ، وكما أن اختلاف البشر حول الخالق وتعدد الالهة ﻻ يلغي هذه الحقيقة فقد اختلفوا على كثير من الظواهر والحقائق ومع ذلك اختلافهم لم يلغ وجودها ؛ فلجا أهل الباطل إلى حيلة أخرى، فمن فساد أقوالهم وقبائح أفعالهم زعمهم أن الإله الحق بعد خلقه للسماوات والأرض تخلي لصلاحيته أو بعضها ، لصالح الملائكة أو الجن ، أو لبعض الناس ، أو لجماد وجعلوهم شركاء له… الخ .
وتجاهلوا علاقة الإله الحق بما خلق وبما يجري في السماوات والأرض، واستحالة أن يكون الخالق الحق إلها ، والرازق إلها آخرا .
وأنكروا دلائل تواصله بواسطة الرسل وإنزال الكتب ، ومن ذلك القرآن الكريم المصدر الأول للحق والحقيقة ، من ذلك قوله تعالى : قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ (32) كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) من سورة يونس .
لذلك اقتضت حكمة كل عقل صاف من كدر الجهل أن يشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه .ومن كفر فان الله غني حميد
(( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 122.)) من سورة لقمان

الخلاصة
**علاقة الموضوع بالوقع :
1 – القرآن الكريم أعظم كتاب على وجه الأرض يعرف الإنسان بخالقه على وجه الدقة ، ويعرفه بمكونات الوجود الثلاثة ( الخالق ، والانسان ، والكون “ويقصد به كل ما عدى الله والانسان” ) وهو الكتاب الوحيد الذي فصل بين هذه المكونات وبين علاقة الأنسان مع أبناء جنسه وعلاقته مع كل من الاله والطبيعة ،
(( ومن أصدق من الله قيلا ؟))
(( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. ؟)) .
2 – ما نطمح إليه هو خروج المتدين من دائرات الجهالة والتقليد الأعمى , إلى دائرة المعرفة والاستبصار, ومن دائرة الإكراه والتركيز على إجبار الآخرين على الدين الحق إلى دائرة التركيز على بيان الرشد من الغي فليس لأي إنسان أن يفرض على إنسان آخر ما يجب أن يؤمن به بأن يفرض عليه دينا معينا تحت مبرر مصلحة المتدين ,فان ضرر ذلك أكبر ما لو بقى على دين باطل فقتل الشخص لعدم استجابته للدين الحق أشد ضررا فان هذا شأن خاص حتى ولو كان أحد الوالدين أو أي جماعة أخرى , والحرية هنا لا تعني الإباحية فالله سبحانه وتعالى زودنا بالعقل والحرية لكي نستخدمها بشكل صحيح , فمن أهم الأمور التي يجب التركيز عليه أفرادا وجماعات وفي مقدمة ذلك الأسرة والمجتمع ضمان الحقوق الطبيعية للنشئ والشباب وضمان حقهم في الحياة وضمان حقهم في الحرية , وضمان حقهم في تحقيق سعادتهم وبناء مجدهم , على شرط أن يأتوا هم هذه الحقوق لغيرهم .
فان ذلك سيكون مفيدا وسيتيح لنا التركيز على العمل الصالح والمعرفة المفيدة

مقالات ذات صلة

3 – التخلي عن الغي والطاغوت مقابل الرشد والحق ، والتخلي عن الخرافة والاوهام مقابل العلم والمعرفة .
والتفريق بن ما هو من الله وما هو من غير الله ” الهيمنة الدينية ”
وعدم طاعة من يستخدمون الدين كوسيلة للتامر والثار فهذا من اهم الاسباب المانعة لقبول الحق
فتعليل الفعل القبيح بانه من لله من أعظم الافترى على الله ، ومن وسائل تغطية الحق فعدم مناقشة موضوع ما بحجة مشيئة الله لان الله لا يناقش في فعله ومشيئته لذلك يلجأ الانسان الى هذه الحيلة
قال تعالى ” …” وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) النحل
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب.
…………..

…هامش….
1 – سورة يونس
2 – ابن عطاء الله السكندري بتصرف.
3 من سورة يونس

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى