قطار التغيير بالسعودية..سرعة زائدة أم مجازفة محسوبة؟

سواليف

تغييرات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية متسارعة تشهدها السعودية خلال الآونة الأخيرة، ضمن رؤية يقودها ويدفع بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (33 عاما).

ورغم أن جزءا كبيرا من تلك التغييرات كان مطلبا لقطاع داخل السعودية وخارجها، إلا أن سرعة إيقاع تلك التغييرات، وانتقائيتها لتشمل مجالات محددة دون أخرى، يثير تساؤلات عدة.

تدور التساؤلات حول ما إذا كانت تلك التغييرات هي مجرد عملية تجميلية تستهدف تحسين صورة المملكة بالغرب، والترويج لولي العهد السعودي كـ”زعيم إصلاحي”، أم أنها إصلاحات حقيقية وضرورية يقودها بن سلمان للنهوض بالمملكة في شتى المجالات في إطار رؤية 2030.

أيضا الإيقاع المتسارع لتلك التغييرات التي كانت بعضها حتى فترة سابقة مرفوضة وأحيانا محرمة، يثير تساؤل كذلك حول ما إذا كان قطار التغيير في السعودية يمضي “بسرعة جنونية” تجعل نسبة المخاطرة عالية على ثوابت وهوية “المجتمع السعودي المحافظ” أم أن تلك السرعة “مجازفة محسوبة” ومخطط لها بعناية؟.

وقبيل الإجابة على تلك التساؤلات، من المهم أولا رصد أبرز محطات التغيير في المملكة خلال الفترة الماضية..

** أبرز محطات التغيير
– 26 سبتمبر/ أيلول 2017: أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمرا يقضي بالسماح للمرأة باستصدار رخصة قيادة سيارة بدءا من يونيو/حزيران المقبل، “وفق الضوابط الشرعية”، للمرة الأولى في تاريخ السعودية.

– 4 نوفمبر/تشرين ثان 2017 : في سابقة لم يشهدها تاريخ السعودية، ألقت السلطات، القبض على عشرات الأشخاص، منهم 11 أميرا و4 وزراء على رأس عملهم حينها، وآخرين سابقين، ورجال أعمال، بتهم فساد، وتم الإفراج عما نسبته 85% من 381 شخصا تم استدعاءهم للتحقيقات، فيما لا يزال 56 شخصا موقوفين.

– 11 ديسمبر/كانون الأول 2017: قررت السلطات السعودية، السماح بفتح دور عرض سينمائي بعد حظر امتد لأكثر من ثلاثة عقود، ومن المرتقب افتتاح صالات للسينما في مارس/ آذار المقبل.

-12 يناير/كانون ثان 2018: بدأت العائلات السعودية، الدخول للملاعب الرياضية، لأول مرة، وأعلنت الهيئة العامة للرياضة جاهزية ثلاثة ملاعب في كل من جدة و الرياض و الدمام لاستقبال العائلات.

-14 فبراير/شباط 2018: أعلنت السعودية السماح للمرأة البدء بعملها التجاري والاستفادة من الخدمات الحكومية دون الحاجة لموافقة ولي الأمر.

-26 إلى 31 مارس/ آذار2018: يرتقب تنظيم “أسبوع الموضة العربي”، في الرياض، للمرة الأولى في تاريخها.

وتخلل تلك المحطات، سلسلة قرارات بالتخلي عن عدد من القوانين والأعراف الرسمية، التي اعتمدتها البلاد على مدار عقود، مثل السماح بحفلات عائلية غنائية (مختلطة)، وإتاحة وظائف للنساء كانت حكراعلى الرجال، وبث حفلات غنائية على التلفزيون الرسمي.

** الترفيه والمرأة يتصدران.. ومكاسب اقتصادية

بقراءة أبرز محطات التغيير التي شهدتها المملكة، يمكن ملاحظة تصدر الجانب الترفيهي وقضايا المرأة قائمة التغييرات، يليها الجانب الاقتصادي ثم السياسي، وإن كانت في مجملها لها تداعيات وأهداف اقتصادية.

فالسماح للمراة بقيادة السيارة وإتاحة فرص وظيفية جديدة لها كانت حكرا على الرجال وتخفيف القيود عليها لبدء عملها التجاري دون الحاجة لموافقة ولي الأمر، كلها أمور من شأنها رفع نسبة النساء العاملات في المملكة، الذي يعد أحد أهداف رؤية 2030 الهادفة إلى خفض اعتماد المملكة على النفط، المصدر الرئيس للدخل حاليا.

وتهدف رؤية 2030 إلى رفع مساهمة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30% بحلول 2030.

أيضا لا يغيب البعد الاقتصادي عن الجانب الترفيهي، فسبق أن أشار الرئيس التنفيذي لهيئة الترفيه السعودية (حكومية)، عمرو المدني، إلى أن الإنفاق الاستهلاكي المتوقع على الترفيه في بلاده، سيبلغ 36 مليار دولار بحلول العام 2030، إلى جانب توفير أكثر من 114 ألف وظيفة مباشرة، و110 آلاف غير مباشرة.

وتستهدف الرؤية السعودية، جذب الإنفاق الوطني على الترفيه والسياحة في الخارج والمقدر بنحو 22 مليار دولار.

أيضا فيما يتعلق بافتتاح دور السينما، فقد قالت وزارة الثقافة والإعلام، إن “العمل بالقطاع السينمائي سيحدث أثراً اقتصادياً يؤدي إلى زيادة حجم السوق الإعلامية، وتحفيز النمو والتنوع الاقتصادي من خلال المساهمة بنحو أكثر من 90 مليار ريال سعودي (25 مليار دولار) في إجمالي الناتج المحلي”.

البعد الاقتصادي حاضر أيضا بحملة مكافحة الفساد، فالحملة تبدو – نظريا- قد حققت الكثير من أهدافها، عبر استرداد أكثر من 106 مليار دولار، (سبق الإعلان أنه تم تبديدها في عمليات فساد واختلاس).

** رسائل للغرب.. واستقطاب للشباب والنساء

لا شك أن أحد أهم الأهداف الرئيسية لتلك التغييرات توجيه رسائل للخارج، تعزز صورة ولي العهد السعودي، كـ”قائد إصلاحي” يقود التغيير، وأيضا تغيير الصورة السلبية للمملكة في الخارج كدولة “تنتهك” حقوق المرأة، لديها أفكار “متشددة”، أيضا هناك هدف باستقطاب الشباب والنساء كمؤيدين للسلطة، وهو ما عبر عنه بن سلمان صراحة في تصريح سابق.

ورداً على سؤال حول أسباب وتوقيت التغييرات التي تشهدها المملكة في الآونة الأخيرة ، قال بن سلمان في أكتوبر/تشرين أول الماضي: “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه (قبل عام 1979)، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان، وعلى جميع التقاليد والشعوب”.

وأضاف أن “الأفكار المدمرة” بدأت تدخل السعودية، بداية من 1979، مع قيام الثورة في إيران.

وأردف: “70 % من الشباب السعودي أقل من 30 سنة، ولن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سندمرها اليوم وفوراً”.

**سرعة أم مجازفة

ولكن في مقابل السعي لاستقطاب فئة كبيرة من الشباب والنساء الذين يؤيدون هذا الانفتاح، تكمن المجازفة، في أن هناك تيار محافظ كبير أيضا في المملكة يقاوم هذا التغيير، بل وتيار داخل الأسرة الحاكمة نفسه لديه تحفظات عل رؤية 2030.

وهو ما كشفت عنه الأميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود، في تصريحات سابقة لقناة “بي بي سي” الشهر الماضي، قائلة إن التغييرات التي يقودها ولي العهد السعودي تحدث بصورة سريعة وقد تكون المملكة غير مستعدة أو مهيأة لها اجتماعياً.

وأشارت إلى أنه يوجد توجه سريع لإحداث تغير من دون دراسة وافية للهوية المحلية.

وحول وجود معارضة داخل الأسرة الحاكمة لرؤية 2030، بينت أن بن سلمان، يريد أن يثبت أجندته في رؤية 2030، ولكن يوجد رؤى أخرى غير هذه الرؤية.

** التوقيفات.. وانتقائية الإصلاح

أيضا يأخذ البعض على تلك الإصلاحات إغفالها الجانب الحقوقي وحرية الرأي والتعبير، فبالتزامن معها تم توقيف العشرات من العلماء والكتاب –بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية – من أبرزهم الشيخ سلمان العودة.

كذلك يؤخذ على الحملة ضد الفساد أنه تم احتجاز الموقوفين بقضايا فساد، في مكان غير رسمي للاحتجاز، وهو فندق الريتز كارلتون، وعدم عرضهم على القضاء، لحسم إدانتهم من عدمه، الأمر الذي يعزز فرضية التوصل لتسويات سياسية معهم تصب في تعزيز سيطرة ولي العهد السعودي، على مفاصل الدولة.

**بين الأهداف والمآخذ

وما بين أهداف الحملة والمآخذ عليها، ثمة هدف رئيسي هو إرسال رسالة للغرب، أن هذ الأمير الشاب (بن سلمان) قادر على القيام بما لم يستطع غيره القيام به، وهي رسائل تمهد لتقبل العالم للقائد الشاب المرتقب في السعودية.

ولكن يبقى أن نجاح تلك التغييرات بتحقيق أهدافها هي رهن بشمولية الإصلاحات لتشمل الجانب الحقوقي، وأن تتم في إطار عقد اجتماعي، بشراكة بين السلطة والمجتمع، لا عبر “قرارات فوقية” من طرف واحد، مع مراعاة العوامل الدينية والاجتماعية للمجتمع.

ويبقى الأهم دائما أن يستشعر المواطن بالأثر الاقتصادي لتلك التغييرات، من خلال توفير فرص عمل ومشروعات تنموية في المملكة، حتى تثبت إنها إصلاحات حقيقة وليست مجرد عملية تجميلية.
(الأناضول)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى