قصة عامل التوصيل الذي أزاح بيل غيتس عن قائمة أغنى أغنياء العالم

سواليف

تخطت ثروة مالك سلسلة «زارا» للأزياء والملابس، ثروة الأميركي بيل غيتس ، صاحب شركة «ميكروسوفت»، على قائمة أغنياء العالم، ليصبح أغنى رجل في العالم بثروة تبلغ قيمتها 79.5 مليار دولار.

وتخطت الثروة التي يمتلكها الإسباني أمانسيو أورتيغا، صاحب سلسلة «زارا»، ثروة « بيل غيتس » بفارق مليار دولار خلال هذا الأسبوع، فالأخير تبلغ ثروته 78.5 مليار دولار، حسب ما ذكر موقع «ديلي ميل».

وتلك ليست المرة الأولى التي يتصدر فيها «أورتيغا» قائمة أغنى أغنياء العالم، ففي أكتوبر الماضي تجاوزت ثروته ثروة «غيتس» الذي انخفضت أسهم شركته وحل ثانيًا في القائمة.

وزادت ثروة «أورتيغا» بعد أن ارتفعت أسهم شركة «إنديتكس»، التي تشمل زارا وماسيمو دوتي وبول آن بير، بنسبة 2.5%، ليصبح بذلك أغنى رجل في العالم، تتخطى ثروته ثروة المستثمر الأميركي وارن بفيت، ومؤسس شركة أمازون جيف بيزوس.

ومن المتوقع أن تتولى ابنته «مارتا»، والتي عملت لفترة في تلك المجموعة، الإدارة خلفًا لوالدها، الذي يبلغ من العمر 80 عامًا.

وتستحوذ شركة «إنديتكس» على 59.3% من تجارة الأزياء والموضة، وتأتي بعدها شركتا «جاب» و«هينس آن موريتس».

وقد بدأت المجموعة العملاقة بداية متواضعة في مدينة «جاليسيا»، شمال إسبانيا، حتى أصبحت تملك 6000 فرع في 90 دولة، بداية من خط الإنتاج عالي الجودة «ماسيمو دوتي» إلى منتجات المنزل «زارا هوم».

وتأتي شركة «إنديتكس» كثالث شركة إسبانية، تتخطى قيمتها 100 مليار يورو، بعد بنك «سانتندر» وشركة «تليفونيكا».

وبدأ «أورتيغا»، وهو ابن عامل في السكك الحديدية، حياته المهنية في سن الـ14، كعامل توصيل لأحد الخياطين في مدينة كورونا، وبعد سنوات من العمل، بدأ عمله الخاص وفتح مشغلًا لتفصيل الملابس الداخلية، وملابس الأطفال، وفتح بعدها أول فروع «زارا» في إسبانيا في عام 1975.

ابن عامل في سكة الحديد لم يتابع صفوفه الدراسية، لكنه عرف كيف يتعلم من الحياة اليومية بصمت، ويسبك خبرته بتواضع. أدرك جميع مفاصل بيزنس صناعة الثياب من المتابعة في النهار والتجربة في الليل.

ابن عائلة فقيرة، ولد أمانسيو اورتيغا غاونا في 28 عام 1936 في بوسدونغو دو ارباس في مدينة ليون الاسبانية. لا يعرف الكثير عن طفولته حتى سن الرابعة عشرة عندما توجهت عائلته الى شمال غرب اإسبانيا لتسكن في المدينة الصناعية في لا كورونا بسبب وظيفة والده الذي كان يعمل في السكك الحديد. حينها اضطر اورتيغا إلى ترك المدرسة والعمل لمساعدة أهله في مصروف البيت. عمل بائعا في محلات للألبسة الجاهزة، وكانت وظيفته توصيل الملابس لزبائن أثرياء.

وهذه المهمة اليومية أثرت كثيراً على أفكاره، هو الذي قرر فيما بعد صناعة ألبسة لجميع الناس بأسعار منخفضة.

بعد عامين، انتقل للعمل مساعداً للخياطين في معمل الشركة نفسها. وهنا أيضا كسب خبرة في مراحل الانتاج.

بداية النجاح
في بداية ستينات القرن الماضي، وبعد عمل مضن وجهود حثيثة، أصبح أورتيغا مديراً لأحد متاجر الألبسة في لا كورونا. وهنا لاحظ أيضا أن معظم الأزياء تصمم وتصنع ليشتريها الأثرياء، لذا قرر دخول معترك الابتكار، فبدأ يفكر بوسيلة تخفض التكلفة على المصنع ليبيع بضاعته بأسعار رخيصة. وانطلق لشراء أول مجموعة من الأقمشة الرخيصة الثمن من مدينة برشلونة الإسبانية.

وفي نهاية كل أسبوع عمل في المتجر، كان يمضي يومي السبت والأحد في منزل العائلة ساعياً لتصميم أزياء جديدة ومحاولاً تقطيع الملابس يدوياً من دون استخدام معدات الخياطة. وما هي إلا فترة وجيزة حتى استطاع بيع أول مجموعة من تصميمه وتنفيذه، وهي كناية عن ملابس نوم بأسعار زهيدة. ومن الأرباح التي جمعها والأموال التي كان ادخرها من وظيفته، افتتح أورتيغا أول مصنع له عام 1963 وكان عمره لم يتخط 27 عاماً.

المصنع الذي حمل اسم “كونفيسيونيز غووا” كان مخصصاً في البداية لتصنيع برنصات للحمامات، ومعه دارت عجلة التصنيع والبيع لأعوام عدة.

انطلاق زارا
كان اورتيغا يوزع منتجاته على متاجر ومحلات مختلفة في جميع أنحاء اسبانيا. وفي العام نفسه، قرر إطلاق علامة “زارا”. فافتتح لهذا الغرض أول متجر تحت اسم زارا في أشهر مجمع تجاري في لا كورونا. وربما يدين بسرعة شهرة علامته التجارية الجديدة إلى نجاحه في اختيار المكان أيضا. فالمجمع التجاري يرتاده عدد كبير من المتسوقين يوميا.

وسرعان ما ذاع صيت زارا التي تميزت بمفهوم “ألبسة على الموضة بأسعار رخيصة”. هذه المعادلة كانت قد استخدمت في الولايات المتحدة مع محلات “غاب”، وفي المملكة المتحدة مع متاجر “نكست”، لكن الفكرة كانت جديدة في إسبانيا، حيث سيطرت لمدة طويلة على سوق الألبسة مجموعتا “كورتي انغلس” و “كورتفيل”، لكنهما لم يسعيا لمحاكاة أذواق الشباب الإسباني الطامح إلى الموضة العالمية. واستطاعت زارا الانتشار بسرعة عبر بناء شبكة من المتاجر في زوايا إسبانيا الاربع.

وفي أول تقرير حول البيانات المالية للشركة، كتب أورتيغا أهداف تأسيس زارا: “الهدف من زارا هو جعل الموضة أكثر ديمقراطية، فبعكس فكرة أن الموضة هي حق الثري، نحن نقدمها لتلمس جميع طبقات المجتمع، وهي مستوحاة من الذوق والرغبات والحياة اليومية للرجال والنساء في عصرنا”.

نحو العالمية
لم يكتف اورتيغا في نجاح ماركة واحدة، فقرر إطلاق علامات تجارية مختلفة لتحاكي أذواق شرائح المجتمع المتنوعة. وفي عام 1985، أسس مع زوجته روزاليا ميرا مجموعة إنديتكس، وهي مختصر لاسم “اندستريا دي ديسينو تكستيل”، حتى تحتضن زارا وأخواتها. وهذه المظلة الواحدة بدأت منذ اليوم الأول لتأسيسها في تنويع العلامات التجارية للألبسة فخلقت “ماسيمو ديوتي” و “بول اند بير”.

وفي إحدى رسائله بصفته رئيساً لمجلس إدارة انديتكس، التي وجهها لموظفيه، قال أورتيغا: “الرغبة في الابتكار التي شكلت شرارة انطلاقنا منذ أعوام طويلة هي التي خلقت الواقع الحالي لشركتنا. الخبرة المتراكمة ليست كافية لتؤمن لنا الريادة.. التوسع العالمي هو الهدف الاساسي”.

ومن هنا، بدأت انديتكس في التوسع خارج حدود اسبانيا. فنشرت مكاتب إدارية لعلاماتها التجارية في معظم دول العالم، أبرزها إيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية والكويت. وفي عام 1989، افتتح أورتيغا متجره رقم مائة. وتقوم قاعدة عمل المجموعة على شبكة تصنيع وتوزيع قادرة على إيصال ألبسة جديدة إلى جميع المتاجر حول العالم بأسابيع قليلة، وهي أسرع من منافسيها بـ 12 مرة في هذا المجال.

وعلى مدار الأسبوع، يستعرض أورتيغا ومجموعة من المديرين الذين وظفهم تصاميم في مقر الشركة الرئيسي في لا كورونا ليختاروا الأنسب حسب موضة الموسم. وتعمل انديتكس على شحن بضائع قليلة لتشكيلات مختلفة من الألبسة بهدف تقليص النفقات، ومحاولة منها لتغيير المنتجات بسرعة أكبر.

فلسفة عمله
من الغريب في الأمر أن مجموعة انديتكس تكاد لا تعتمد على الإعلانات إطلاقا. إذ تشكل الإعلانات على بند ميزانيتها فقط 0.3 في المائة من تكاليف المجموعة. فأورتيغا اعتمد منذ انطلاقته على انتشار سمعته على لسان عملائه أولا بأول، وهكذا كانت تشتهر علاماته التجارية مع كل متجر يفتتح في زاوية شارع من هنا أو في قلب مجمع تجاري من هناك. ويحكى أن أورتيغا رفض في إحدى المرات طلب ممثلة إسبانية شهيرة لتصوير مشهد من فيلم لها في متجر لزارا.

سياسة قلة الإعلانات هذه نشأت بعد سعي أورتيغا منذ بداية نجاحه على تقليص النفقات إلى حدودها الدنيا لبيع ألبسته بأسعار رخيصة.

هو الذي اكتسب خبرة من خلال عمله الأول عن تكاليف تصنيع الألبسة من الألف الى الياء، وأدرك كم أن عملية الانتقال بين التصميم والتصنيع والتوزيع عملية مكلفة، لذا عرف أهمية إيصال المنتجات إلى العميل مباشرة دون المرور بالموزعين.

واستخدم هذه الاستراتيجية في عمله مما خلق ديناميكية لدى زارا التي تملك جميع مراحل الإنتاج حتى البيع في الأسواق لتخفيف التكاليف وكسب السرعة والمرونة. وعنصرا السرعة والمرونة هما أساس نجاح أورتيغا ومجموعته انديتكس. فحسب تقرير لمجلة هارفرد بيزنس ريفيو تستطيع زارا، جوهرة مجموعة انديتكس، تصميم وتصنيع الألبسة وتوزيعها على الأسواق العالمية خلال 15 يوما فقط.

كرهه للأضواء
يعرف عن أورتيغا عدم حبه للأضواء لدرجة أن الكثير من الإسبان لا يعرفون اسمه حتى. اذ لا تملك وكالات الأنباء أخباراً عنه سوى التي ينشرها موقع مجموعته على الإنترنت. وعلى الرغم من سريته في العمل، صدر عنه عدد من الكتب أشهرها: “القصة السرية لإمبراطورية الموضة” للكاتبة سيسيليا مونلور، و”أمانسيو أورتيغا: من الصفر الى زارا”.

وتنشر مجموعة انديتكس معلومات قليلة جداً عن حياته الشخصية، لدرجة أن الصحافة الاسبانية تصفه بـ “كابوس الناشرين”. فلعقود مضت، كانت هناك صورة واحدة لأورتيغا تتداولها الصحف ووسائل الاعلام المختلفة. وعندما نشرت الشركة أول تقرير لها للرأي العام في عام 1999، ظهرت الصورة الثانية له. ونادراً ما يرتاد أورتيغا الحفلات الرسمية. فعندما زار الأمير الإسباني فيليبي مقر انديتكس، استقبل أحد ممثلي أورتيغا الزائر الملكي. ويقول في أحد تصريحاته النادرة أمام الصحافيين: “لا أرغب إلا في حياة هادئة لذا لا أهتم بالظهور الإعلامي كثيرا”. ويحكى أن أورتيغا يحافظ على السرية في حياته وأعماله تخوفاً من اختطافه من قبل المجموعة الإرهابية “ايتا”.

إلى ذلك، تنطبع شخصية أورتيغا بالتواضع إذ لا يبدو عليه أنه مؤسس إمبراطورية عملاقة لتصنيع الألبسة، فهو لا يحب ارتداء البدلات الرسمية ولا ربطات العنق، بل يفضل اللباس الجينز. وقد تكون حفلتا عرسيه (تزوج مرتين) الشاهدتين الوحيدتين على ارتدائه للكرافات! كما يعمل أورتيغا بجهد ونشاط دائمين مع موظفيه خصوصا في قسمي التصميم والانتاج. فهو مدمن فعلا على العمل.

الإدراج في البورصة
يعتبر إدراج مجموعة انديتكس تاريخاً مفصلياً في حياة أورتيغا. فعند إعلانه لأول مرة عن نيته إدراج انديتكس في سوق مدريد للأوراق المالية عام 2000، شكل هذا الخبر مادة دسمة لمانشيتات الصحف الاقتصادية في إسبانيا.

وحظي الاكتتاب العام بـ 26 في المائة من مجموعته بإقبال كثيف من المستثمرين في بداية عام 2001 ويحكى أن أورتيغا عبر عن انزعاجه من العمل مع مصرفيين استثماريين عند التحضير للاكتتاب.

ويقول أحد هؤلاء المصرفيين لصحيفة فايننشال تايمز: “وجدنا هذه الفترة كأنها عذاب بالنسبة لأورتيغا”. وعندما أدرجت الشركة في البورصة، أصبح أورتيغا أثرى رجل في إسبانيا بعد ارتفاع السهم 22 في المائة في اليوم الأول. لم يحتفل مؤسس المجموعة بهذا النصر، بل قصد مكاتب العمل في اليوم الثاني وشاهد نشرة الأخبار الصباحية لمدة 15 دقيقة حتى يدرك أنه حصد 2.5 مليار دولار في يوم واحد، ليتناول بعدها وجبة الغداء في كافيتريا الشركة. وارتفعت القيمة السوقية لانديتكس في الأيام الأولى من الإدراج الى 9.6 مليارات دولار.

حياته اليوم
يحافظ الملياردير أورتيغا حتى اليوم على صورة المدير المثالي الذي يتناول وجبته مع موظفيه في كافيتريا مقر الشركة الرئيسي في لا كورونا. كما يحافظ على رشاقته عبر ممارسة الرياضة اليومية وهو من محبي مباريات كرة القدم وسباقات السرعة.

ويقول كتاب “القصة السرية لإمبراطورية الموضة” انه مستثمر في نادي “ديبورتيفو لا كورونا” لكرة القدم. ويعيش أورتيغا اليوم مع زوجته الثانية فلورا وبناته الثلاث في شقة سرية في وسط لا كورونا نفسها.

ويملك 59.29 في المائة من مجموعة انديتكس التي تضم علامات “زارا” و “ماسيمو ديوتي” و “أويشو” و “زارا هوم” و “كيديز كلاس” و “تيبمبي” و “ستراديفاريوس” و “بول أند بير” و “بيركشا”.

وتعتبر انديتكس أكبر إمبراطورية صناعية في إسبانيا وهي ثالث أكبر مجموعة لصناعة الألبسة في العالم بعد “غاب” الأميركية و”اتش أند أم” السويدية. كما يملك اورتيغا استثمارات في الغاز والسياحة والعقارات وحصة مؤثرة في أحد أكبر البنوك الاسبانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى