قصة الحي الغربي / سهير جرادات

قصة الحي الغربي
سهير جرادات

على مدى تسعة وستين عاما، وأهالي الحي الشرقي يتعاملون بحذر شديد مع القاطنين الجدد في الحي الغربي، الذين يمارسون جميع أشكال الضغوط على الأهالي الأصليين، إلى أن هجروهم قسرا إلى طرفي ضفتي النهر الذي يفصل بين الحيين .

فرض قاطنو الحي الغربي سيطرتهم على الحي بأكمله ، وهيمنوا على ما تبقى من سكانه ، وتحالفوا مع حركة عالمية وأنشأوا كيانا خاصا بهم ، ولملاءتهم المالية القوية، وسيطرتهم على اقتصاديات الدول، فرضوا سطوتهم على العالم ، وأصبحوا المحرك الرئيس في المنطقة المجاورة للحي ، ومحركا أساسيا للأحداث العالمية ، وسيطروا على الاعلام الغربي، وغيروا الأحداث وزوروا الحقائق ، وشوهوا الصورة الحقيقية ، ورسموها بالطريقة التي تناسبهم ، وأقنعوا العالم بها ، بعد أن أصبح الرأي العام في قبضتهم ، وجعلوا من أنفسهم أصحاب حق ومظلومين، وجيروا حق غيرهم لهم ، وجعلوا من أصحاب الحق الأصليين ظلمة ومغتصبين.

اهالي الحي الشرقي حالهم حال الدول المحيطة وحتى يسلمون من شر المسيطرين على الحي الغربي، عمدوا إلى التوقيع على اتفاقيات سلام ، وضعها محتلو الحي الغربي لأنفسهم بطريقة يسهل عليهم خرقها وانتهاكها ، وآخر هذه الخروقات وليس الأخير ، قصة تمادي رجل حراسة يعمل لصالح الحي الغربي بقتله اثنين من أهالي الحي الشرقي ، ورغم أن الجريمة وقعت في أراضي تقع تحت سيادة الحي الشرقي ، ويحق لأهله مقاضاة المتمادين على القانون ، إلا أن الحي الغربي فرض ذاته ، وأثبت للعالم بأسره أنه الأقوى ، وأنه فوق أي قانون ، ولا يحق لأحد أن يحاسبه ، وفرض شروطه وإملاءاته ، وغادر القاتل وجميع أفراد الطاقم الدبلوماسي أراضي الحي الشرقي، بتسهيل من مسؤوليه .

مقالات ذات صلة

ونجح أفراد الحي الغربي في الحفاظ على روح القاتل ومعنوياته ونفسيته وكرامته، وحمايته من الاستجواب ، وغادر مغادرة الأبطال ، واستقبل استقبال المنتصرين ، وقدمت له الرعاية اللازمة حتى لا يترك ذلك المفك اللعين أثرا في جسده – هذا فيما لو كان هناك بالأصل ضربة مفك على الكتف – القصد منها تبرير فعلته، وأكثر من ذلك ؛ شكره ساسته على جرمه .

ملأت صور القاتل وسائل الاعلام ، وتعالت الأصوات التي وصفتهم أنهم شعب لا يقهر – حسب زعمهم – ولا يوجد من يجرؤ على مخالفتهم أو محاسبتهم أو توجيه الاتهام لهم ، وما على الجميع إلا أن يغيروا الحقائق التي تتناسب مع قوتهم وهيمنتهم .

بعد طول انتظار افرج الحي الشرقي عن تفاصيل الرواية ، التي خرجت ضعيفة غير مقنعة حتى لمطلقها ، الذي وقف مترددا ومتلعثما ، والعرق يتصبب منه؛ وهو يروي تفاصيل حادثة الطعن ، التي جرت وقائعها في العمارة التي تقع خارج السفارة ، بطريقة تناسب الحي الغربي ، وكما يريدونها ، فأصبح الشهيد هو من بدأ واستفز القاتل ، وشرع بالاعتداء ، فيما ذلك المسكين – القاتل – أجبر على اتخاذ موقف إنساني ، بقتله اثنين من أفراد الحي الشرقي بدم بارد.

لم يحرك الحي الشرقي ساكنا ، ولم يستجوب القاتل ، وسمح له وللطاقم الدبلوماسي بالمغادرة الميسرة ، ورغم الإيماءات التي أطلقها راعي الأمن الداخلي لذوي الشهيد الشاب بأنه سيحاسب القاتل ، وأنه لن يسمح له بمغادرة البلاد ، لا جوا ولا برا ولا بحرا ، إلا أننا تركنا القاتل بلا حساب ، وغادر حدودنا الجوية بتسهيلات أمنية ، وبرعاية دولة عظمى ، وحولنا الحقائق ، وصغرنا أنفسنا ، وبددنا كرامتنا ، وأخفينا الرواية ، وأسكتنا الشاهد ، وتركنا القاتل يتمتع بالحرية ، ودفنا الشهيد دون أن نأخذ حقه في محاسبة الفاعل .

ما زال شارع الحي الشرقي يغلي ، وتصريحات مسؤوليه هزيلة ، وغير مقنعة ، وما زالت الحكومة تحتل الدوار الرابع ، وراعي الأمن الداخلي يقبع في عرجان ، وراعي الشؤون الخارجية ما زال على طريق المطار ، والناطق الرسمي يحافظ على ظهوره بلا مضمون ، ويطل علينا ضمن فقرة “ابتسامة اليوم” في البرامج الصباحية .

استقر الشهيدان في قبريهما ، أحدهما قتل لأسباب مجهولة وروايات متضاربة ، والآخر قتل في عملية تنظيف لمسرح الجريمة ، والتخلص من شاهد عيان على مجريات الحادثة ، واطلق سراح الشاهد الثاني ، بعد التأكد بأنه ” شاهد ما شافش حاجة” ، حيث كان بعيدا عن مكان الجريمة ساعة وقوعها ، والشاحنة ما زالت محتجزة ، ولا تسجيلات لكاميرات السفارة ، والقاتل ما زال حرا طليقا ، ولا نعلم اذا كان دم القاتل مازال على أداة الجريمة ، وما زال البحث جاريا عن المفك، والأهم ما زال الشعب مقهورا..

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى