قريتي المنسية : الف حكاية وحكاية / ماجدة بني هاني

قريتي المنسية : الف حكاية وحكاية
على كتفي الوادي تربعت قريتي المنسية ، وأرخت جديلتين كسنابل أرضها ، وبين الجديلتين وجه صبوح ، مشرقا بساما ،تلتقي العابرين فتسبي قلوبهم بسحرها، وتجلو همومهم ببهائها ….
الناس في قريتي طيبون ومتعبون ، فقراء لكن عاشقون ، عطاؤهم بلا حدود ،وخيرهم مممدود ، شاكرون لربهم حامدون !!
نساؤها كسنديانها ، كشجر البلوط المعمر في حرشها ، متأصل ونشره طيب ، وجذوره ضاربة في العمق !!
تعبد المرأة- بعد ربها – زوجها ، وتقدس أهله ، تتسلم الحماة مفاتيح الخزائن ، ولا تكف عن الأمر والنهي ، والنصح والإرشاد ….
جميع الكنائن تحت أمرتها ، ومفتاح المونة في ” عبها ” في عقدة شريطية يصعب حلها ،
الجميع مشتركون في الدار والطعام ، والعمة توزع الأدوار ، والأحظى منهن من تبقى لرعاية الرضع ؛ فيصير الاطفال أبناؤها بالرضاعة ، ويفاجئ البنات بعدئذ .ان جل شباب الحي أخوانها…فتتضاءل أحلامها ،
تمضي الباقيات إلى الحقول ، مواسم الحصاد ، ويمكث البعض للعجين وتحضير الطعام للكادحين العائدين آخر النهار .
ورغم الشقاء ، ثمة أمسيات ، وسهرات للسمر ، في مضافة المختار يجتمع الكبار والصغار ، الكبار يتناولون القضايا الكبيرة ، أكبر قضية : ” ابن ابو التبن باع أرض ابوه وهج عالمدينة ” أخطر القضايا : من يبيع أرضه كمن يبيع عرضه !!
الصفار ينصتون بأدب ؛فالمجالس مدارس
خلف البيوت الطينية تجتمع النساء ، يتحسسن أخبار القرية ، فكاهتهن عبود ” الأهبل” وتحرشاته البريئة ، ومنطقه المضحك ، أخطر قصصهن ، عاشقات القرية ، و النميمة حول ” وضحا ” بنت المختار ….
ليس من النساء من تحظى بما تحظى به وضحا ، فهي حسناء القرية ، وابنة المختار الوحيدة ، الفتيات يحسدنها ، والشبان يطمحون إليها، وهي تعبث في قلوب الفرسان منهم ، وترسم صورة فارسها ، معقدة صورتها ، ولكن ليست مستحيلة ….
ذات صباح، حضر زائر طارئ إلى مضافة المختار ، أثار قلق الشبان، وصار محط أنظار صبايا القرية .
أظنه كان فارسا بدويا ، وابن شيخهم ،متوسم بسمرة لها نكهة فريدة ، ربما كنكهة الهيل المعتق ، يحمل بعضا من أرث اجداده ،وفيضا من المروءة والحياء .
يجتمع كبار القرية حوله ،ينطق بالحكمة رغم حداثة سنه ، يقرض الشعر ، ويقول القصيد ،ويروي من أحاديث القبيلة ، شيئا من مجالس القضاء …
يقع حديثه في قلب ” وضحا ” وقوع السهام ، وتحفظه ، تنقل ما سمعت لصاحباتها، تتباهى أنها حظيت بلقاءالفارس والسماع ، يشوب حديثها بعض المبالغة والكذب اللذيذ ، ثم بعد حين تتعلق بخصاله الحميدة …
بعد أيام يأزف الرحيل ، تفاجئ بحرقة الفراق ، فقد رسمت أحلامها من ملامحه ، ونسجت أحاديث الهوى من نبراته ، يصعب الموقف ..
ويصعب عليها الاختيار فيما بعد …
فقد اضمحل شبان القرية أمام أحلامها ،
وتنتهي الحكاية بالفراااااغ….
وتستمر القرية بطرح خيرها ، قمحها ،عشقها ، وعنادها الا محدود من أجل الحياة .وتستمر الحكايا ….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هو الزمن الجميل والمرّ، حكاية لا تكاد تخلو منها قرية أو مضارب عربان…لغتك شائقة تحمل في تضاعيفها ثنايا الزمن، والبوح، ورمزيتك تناجي الضمائر…ألم يئن لك أن تنشري متناثراتك في كتاب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى