قارورة القدس … / منصور ضيف الله

قارورة القدس …

على ناصية الشارع وقفت . يداعب الهواء أمواجا من زغب أنثوي جميل ، تطير في الهواء ، ثم تعود تنتثر على وجنتين كحد الظبا . تمسد الفوضى الخلاقة بطرف كفها ، يعود كل شيء إلى موضعه تماما ، وأجمل مما كان !! هادئا على جمر في انتظار موجة سفر أخرى . العباءة فضفاضة ، تلتصق بالجسد البض مرة ، وتطارده مرات . تتناغم في حركتها مع وثبات الشعر ، تتراقص مع نسمات غربية خفيفة ، انسيابية رائقة ، تصل مداها الأقصى وتتكسر . ترتد كرة اخرى ناثرة عطرا ولا أحلى .

تدق الارض بطرف حذائها ، ترتفع القدم قليلا ….. دقات ودقات …. ترتكز قارورة القدس على الأرض ، قلقة حرون ، وكأني بها تبحث عن فسحة وفية في زمن يتداعى سريعا ، ويتلاشى على عتبات المضافات .

اكسجين الوقت يداعب حذائها ، والكعب الجميل يرفض الانتظار على محطات اللوم والتسويف . تناظر ساعتها ، تتكسر الجفون الهدباء على الزجاج الكريستالي ، ترتد الى أعمق حدقاتها ، سيل من ارتدادات وامضة ، ثمة حوار وعتاب . حتى الساعات لا تفي ، تحتفظ بكمية هائلة من وقت ثمين ، تخفيه بين العقارب الراقصة ، وتقذفه في نقطة سوداء أبدية .

الوقت مشروع لم يكتمل ، الجميع يمتطي رهانه ، ووحده يأتي ، ينسل خفية من شقوق الانتظار والوجع ، يجلس على كرسي الصدارة ، الجميع يستقبلونه ، يحتفون به ، ويجاملونه ، ولكن…… بعد فوت الفوت . الوقت يشبه النساء تماما، جميل وطازج ومقدس ، ولكنه يحتاج رجالا يزينونه بالعقل والاستثمار . حين يغيب الرجال تموت النساء ، يتحولن الى صفحة بيضاء ، بلا نقطة او حتى فاصلة ، نطيل البحث عنها ، وعندما نعثر عليها ، تغلق الساعة أبوابها على صفرة فاقعة .

تبهت ملامح الرؤية ، تتوازى الخيوط ، وتتقاطع ، الغبار القادم من عمق الأنانية يغشى الناصية ، والصبية تحاول أن ترى إلى أبعد مدى ، والوقت قصير ، ليس أطول من الشارع الذي احتلته دقات الكعب . تناظر الساعة وتزفر . يغيب الرجال ، وتغيب الحكمة ، ترتقي إلى أيد لم يأن وقتها . بيد مرتعشة ، نافرة النواشر ، كريمة المسامات ، عريقة التاريخ تمد يدها للتكسي ، يقف سريعا ، يصلح السائق المرآة ، وياقة قميصه وشعره . بهدوء تنزلق داخلا ، تستوي في المقعد الخلفي ويغيب المشهد .
على ذات الناصية ، بين زحام البشر ، ولعنة الحاجات ، ثمة حزن ، وعتاب ، وعطر قتيل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى