قاتل مجاني (2-2) / يوسف غيشان

قاتل مجاني (2-2)
يوسف غيشان

اتحدث اليوم عن الجانب التاريخي فيما كتبته امس، حول اطلاق الرصاص العشوائي، لغايات الأفراح والمناسبات…في إمارة قلعة الكرك، خلال العصر المملوكي، جرت العادة أن تقام الاحتفالات للسلطان القادم الى الإمارة أو العائد من الحج، وعند وصول السلطان أو الأمير كانت المنجنيقات ترمى، تماما كما نطلق نحن النار حاليا ابتهاجا بطهور الولد او نجاحه بالتوجيهي، أو زواجه.
أما في زمن أحمد باشا الجزار الذي حكم الساحل الفلسطيني في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والسنوات الأربع الأولى من القرن الذي تلاه، فقد قرر الباشا أن يمنع الناس اطلاق النار في الأعراس، من البواريد التي تم سلبها من جيش نابليون المهزوم على اسوار عكا، لكن مستشاره اليهودي رجاه ان لا يفعل ذلك.
صرخ الباشا في وجه مستشاره، وطلب منه تفسيرا لمعارضة قراره، فقال له المستشار، ما معناه:
-اترك الناس يطلقون النار في الهواء فتفرع بنادقهم ..هذا افضل من ان يطلقوها باتجاهنا.
قال الجزار لمستشارة اليهودى بلغته البوسنية المكسرة ما معناه بالعربية الفصحى:
-بخ بخ !!
وألغى الجزار قراره بمنع اطلاق النار في الإحتفالات.
تخيلوا ان المماليك في عصرهم الثاني تخلوا عن عادة اطلاق المنجنيق في الاحتفالات، وهي مجرد حجارة ربما تكون مربوطة بشريطة مشتعلة، وأن احمد باشا الجزار اراد الغاء اطلاق النار، وهو مجرد بارود والقليل من جبات الحديد.
تخيلوا انهم قرروا ذلك بينما كان عدد الناس لا يزيد عن عشرات الالاف.
أما نحن فما نزال نطلق النار- بعد ان صار الناس بالملايين- بكافة انواع البواريد والمسدسات، في وسط الحارات، وفي الأسواق خلال مرور الفاردة، ولا نهتم لعدد الضحايا التي تسقط من الناس الأبرياء، ولا نأبه الى ذلك….المهم ان نتفشخر عند صاحب الفرح، على حساب مآسي الآخرين ومصائبهم التي نصنعها بأيدينا الملوثة بالدم..
جميعنا يعرف، انه لا يكاد يمر اسبوع الا وتسقط ضحية او اكثر من الرصاص الطائش، وجميعنا يعرف ان الحكومات مقصرة في مواجهة هذه الظاهرة الحقيرة، وجميعنا يعرف ان حوادث القتل هذه تسجل جرائم دون مجرم.
لكن الحقيقة التي ينبغي ان نعرفها وندركها، ان من يطلق النار في افراحه ليدمر الآخرين، هو قاتل قاتل قاتل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى