في لَحظةِ صَمتٍ / أسامة أبو أحسيان

في لَحظةِ صَمتٍ

في لَحظةِ صَمتٍ لَمْ أتوقَّعُها، في حياةِ المَنْكوبين، لكنْ سُرعانَ ما تَحوَّلت السماء،َ إلى وابلٍ من الرَّصاص، يَمْتزِجُ بالأوامِرْ من القائد،ِ حاصِروه، لَنْ يَفْلُتَ هذه المرة، أحضِروه حيّاً أو ميّتاً، وما كان على الجنودِ إلا السّمَع، والطاعة. تابعتُ الرَّكضَ خَلفَ الجّبال الوَعِرة، تَسلَّقتُ صُخُورها الشاهقة، بأنفاسٍ متقاطِعة،ِ الجِّبال، تتزيّن بقبَّعاتِ الجّيش، والرّصاص، يتسابقُ لنيلِ وجبته بِشَرَاهَةٍ، إمّا أن تَبقى على الجبلِ المُحَاصَر أو تنحني إلى الألغامِ الدفينةِ في سُهُولِها. نحنُ اخترنا القمّة، ولا نَقبلُ إلا قنّاصةً لتنهي هذا النضال.
بدأت محاصراً من جميعِ الجهات، وأنا وحدي، أُرتِّل لنفسي ثِقَتها، وشُمُوخها، وأسْتَمِعُ إلى أزيزِ الرصاص، كأنَّني في سُباتٍ عَميق، وأشْربُ من يَديّ الدّم المُتَجمِّد، كنبيذٍ معتّق. أضغطُ على الزّناد الذي ملَّ من الإستجابة، كأنَّني أصُرُخ على طِفْليَ العَنيد بأن لا يَقطِفَ زُهور الياسَمين، ولا يُجيب. يَمْتَدُّ جَسَدي، والهواء المغبر، يأخذَ حُصَّتهُ من نَزفي، كالليالي الصيفيّة، على سطحِ مخيّمي، وأنا ألهو في عدِّ النُّجُوم. والحِصار يزدادُ اشتعالا،ً كلهفة أمّي عندما يقتربُ المرض.
لا أحد هُنا إلّا الموت أستنِدَ عليه في حضرةِ الرّصاص والخَوَنة.
الجميعُ باسمٌ، أمام كَبيرُهُم المُرهَق. اقترب المُخبِر عند أُذُنِي يَقول: ألم أقُل لَكَ إتّبع السطر والأمرَ ولا تتمرّد ؟
أثناء نصيحتهُ الخائِنة، كانت ساعتُه تُعطي إشارة لقنّاصِ المروحيّة بأن يَقوم بالإنتقام، ما ذنب الوقت بأن يكون شريكا في توثيق الدم؟؟
هكذا شَعرت عند أوّل طلقة، أنَّ الرَصاصةَ التي سَتحتلُّ مكاناً في جَسَدي، تكونُ هادئةً مطمئنّةً، تمشي إلى مُستقرّها، تنام باسمةً بلا اسْتيقاظ، سَتشفي غَليلها، لأنها لن ترتاحَ يوماً في مَخزنِ الحي، ولنْ ترقدَ بلحظةٍ فخراً في قرارةِ نفسِها، ولن تَشعُرَ يوما،ً بأنّها رمزُ حمايةٍ، وأمانٌ لسيّدها…اليوم، تريد إشباع بارودِها من دمي.

اظهر المزيد

‫9 تعليقات

  1. أسامة أبو احسيان ، وطالب الدراسات العليا ، يطل عليكم على صفحة سواليف ، بفيض أدبي غني ،يعبر عن شريحة من الشباب المسكون بألم اللجوء ،وفقد الأرض ، ورغبة حقيقية في الانعتاق ، حتى لو كان الثمن رصاصة هادئة تستقر في الأعماق ، لكن تعلن عن شهيد وتزف بشرى للعالمين عن قرب الحرية من خلال دم الشهداء .
    ومن موقعي هنا في سواليف أحيي قلمه وفكره ،ورقي حرفه وجماليات أسلوبه .
    ثمة مبدع ينتظر بزوغ فجره ، كل الدعم أخ أسامة ، وإلى الأمام ، بالتوفيق .

    1. أشكرك الكاتبة ماجدة بني هاني على هذه الإشادة، وإن دل على ذوقك الرفيع وأحساسك المرهف، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم بي.

  2. اسامه ابو احسيان … من أفضل الكتاب المبدعين بالنسبة لي…. اتمنى لك التفوق بكتاباتك ( الإبداعية) التي تلامس قلبك … وتترك أثر فينا… وإلى الأمام
    دام خط قلمك حرا.

    1. أشكرك جدا، المبدعة يقين على هذه الحروف النبيلة، وهذه شهادة أعتز بها

  3. أسامة أبو احسيان….. كاتب من رحم المعاناة ومن خاصرة الألم انسلت حروفه فهي على الدوام تلامس مشاعرنا وتخاطب ضمائرنا، فهنيئا لقلمك الصادق الحر وإلى الأمام.

  4. أسامة أبو إحسيان.. نجم الزمن الجميل ومهندس الروائع ،نموذج الأخلاق والإنجاز ، صاحب الرؤية الثاقبة ،يؤمن بأن الثقافة هي السبيل الأمثل لبناء الإنسان .
    من أفضل الكُتّاب المبدعين ،كتاباته تُلامس قلبه وتترك في نفس القارئ أثراً تجعله يعيش الحَدَث كأنَّه واقع .
    حَفِظُكَ الله، وأتمنّى لَكَ مزيداً من التقدّم والنجاح والإزدهار .

  5. أسامة ……..
    الكاتب البطل ….الكاتب النجم وسط عالم يملؤة الظلم والظلام …..
    كاتب الحاضر والمستقبل
    دع قلمك نابضا دائما بكثير من الأمور المسكوت عنها .
    وفقك الله وسدد خطاك.

  6. ما شاء الله … كلمات مزينه بالذهب وكتابه اكثر من رائعه .
    اتنمى لك التوفيق من كل قلبي ، يا صاحب القلب الطيب .

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى