في ذكرى أعظم مولود تشرف به الوجود / عبد اللطيف مهيوب العسلي

في ذكرى أعظم مولود تشرف به الوجود وأحتفل به الآباء والجدود .

ما كان ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم, خاصا لأسرة تنتظر ولدا لها , ولا لقبيلة تترقب قدوم منقذ , ولا خاصا لقطر دون قطر , ولا لقوم – يتطلعون لظهور مصلح – دون قوم , ولكن رسول الله إلى الناس كافة وخاتم النبيين.
إنه -بأبي هو وأمي – دعوة إبراهيم , ونبوة
موسى , وبشارة عيسى , سطرت بقدومه التوراة , والزبور , والإنجيل .
وسطر سيرته القرآن الذي نطق به فمه , وجمع الله له بين رؤيته وكلامه وقرن اسمه مع اسمه تنبيها لعلو مقامه , وجعله للعالمين رحمة ونورا وملأ بمولده القلوب سرورا وقال في حقه من لم يزل سميعا عليما .: ,
(( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا(46))1

فصلوات الله وسلامه عليه لولا مولده وبعثته ما أخذت الأرض زخرفها , ولا استكملت السماوات زينتها , إنه المولود الذي انتظر كل من في الكون ظهوره , واشتاقوا لإشراق نوره .
و رجمت الشياطين بقدومه فلم تستط إلى السماء وصولا …
فهو قبل كل مقول , ووسط كل مفعول , وأخر كل معقول ومنقول ميلاد النبي الأعظم والرسول الأكرم الذي لم يولد قبله مثله ولا ينبغي أن يولد بعده مثله .

أو لا :البشارات التي بشرت بظهوره وإشراق نوره .

نذكر بإيجاز التعريف بالرسول الكريم , وأني ﻻ أشك ولا للحظة واحدة في أن الله سبحانه وتعالى قد نعته للأمم السابقة نعتا دقيقا تتنتفي معه الجهالة , وتبرز أهميته لكل ذي عقل صاف من كدر الجهالة . إذ هو الرسول الخاتم للناس كافة , وحجر زاوية الأنبياء .
{ فهم المصابيح وهو الزيت .
وهم المساجد وهو البيت .
وهم الفروع وهو الأصل .
وهم الرأس وهو العقل .
وهم النخل وهو الطلع .
وهم الشطء وهو الزرع .

( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَه )ُ بآدم .

( فَآزَرَهُ ) بنوح .

( فَاسْتَغْلَظَ ) بإبراهيم .
( فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ ) بموسى .

( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ) بعيسى لإنه زرع من غير مطر وولد من غير أب .
( لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ) وهل غاظ الكفار إلا بهم ?
وهل أدخلهم النار إلا بسببهم ?}2

أول هذه البشارات :
إنه النبأ العظيم والميثاق الجسيم .
ولقد سنحت لنا إشارة من قوله تعالى ( قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70)3
إخبار الله لرسوله عن ( الملإ الأعلى إذ يختصمون ) يكون له معنى واضحا إذا كان له علاقة بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولعلى آية أخذ الميثاق من الأنبياء والمرسلين توضح ذلك ,
أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا شبيه ما أشهدهم على أنفسهم ( ألست بربكم ?)
وأن ينصروه متى بعث , وإقرارهم بالإيمان به ونصره في ظهر الغيب يؤكد وجوب الإيمان به ونصره ممن عاصروه من أقوامهم في حياته صلى الله عليه وسلم , وبعدها ، ولازم هذا أنه سبحانه وتعالى قد عرّفهم باسمه وصفاته. جاء هذا في قوله تعالى : من سورة آل عمران:{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ “81”)) 4

ثانيا : دعوة إبراهيم :
ولإن النبأ العظيم بالنبي الخاتم , قد علمه ممن لهم قدم صدق بالنبوة , والخليل إبرهيم له السبق بالنبوة و بناء البيت فقد توجه إلى الله بالدعاء أن يكون هذا النبي الكريم والرؤف الرحيم من ذريته لينال شرفه
فقد أخبرنا تعالى عن إبراهيم وابنه إسماعيل أنهما سألاه أن يبعث في ذريتهما رسولاً منهم،ولازم أن يكون هو المقصود ﻷن الله قد بشره بالأنبياء الذين هم من نسل اسحاق فذك شيء ,وهذا والدعاء شيء أخر يخص رسول الله محمد , جاء ذلك في قول الله تعالى من سورة البقرة: (( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))5
[البقرة:128-129]]

ثالثا :نبوة موسى عليه السلام ووصيته قبل موته لقومه :
فتعالوا بنا معشر الأحباء لنذهب سويا إلى ” حوريب ” حيث النبي موسى وهو ينبؤ قومه بظهور نبي مثله يجعل الله كلامه في فمه – في سفر التثنية (من 16 إلى 20) – قائلًا لهم :
(( فقد استجاب الرب الهكم ما طلبتم منه في حوريب في يوم الإجتماع عندما قلتم : “لا نعود نسمع صوت الرب إلهنا ولا نرى النار العظيمة أيضا لئلا نموت . “17”
فقال لي الرب : لقد أصابوا فيما تكلموا ” 18″
لهذا أقيم لهم نبيا من بين إخوتهم مثلك , وأضع كلامي في فمه , فيخاطبهم بكل ما أمرهم به” 19″
فيكون أن كل من يعصي كلامي الذي يتكلم به باسمي فأنا أحاسبه .”20″)6
ويوم الاجتماع ” حوريب ” هو يوم اللقاء اليوم الذي أخذتهم فيه الرجفة لما أختار موسى قومه سبعين رجلا , كما أشار إليه القرآن الكريم
في سورة الأعراف بقوله تعالى (( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا ۖ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)7

وهذا الني الذي نبأت به التورات على لسان موسى عليه السلام هو محمد صلى الله عليه وسلم , والقول بأنه محمد لتطابق الوصف على الموصوف فهو النبي الوحيد الذي جعل الله كلامه في فمه , ففصل القرآن الكريم على لسانه تفصيلا , ورتله في قلبه ترتيلا ,
الأمر الثاني , لإجماع أهل الديانات الثلاث إنعدام تطابق نبوة موسى في ظهور عيسى عليه السلام .
أما ما سبب إمتناع اليهود عن الإيمان برسول الله محمد للناس كافة بعد معرفتهم له وعدم جهالتهم ?
فقد أجاب القرآن الكريم عليه
أنه بغيا من اليهود وحسدا أن ينزل الله كتابه على نبينا محمد وهو من غير بني إسرائيل بقوله تعالى :
(( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91) 8
وقوله تعالى :
{(( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ(147)} 9

رابعا : بشارة عيسى عليه السلام ..
من الملاحظ أن الإنجيل لم يأتي بشريعة مغايرة لما جاءت به التورة بل هو مصدق لها , وإن كان مصدقا لما قبله فقد كان في نفس الوقت مبشرا بالرسول الذي بعده “المخلص ” أو ” المسايا ” ولامتناع العقل والمنطق أن يكون عيسى مبشرا بعيسى , فهي البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وللعلم أن كلمة ” الإنجيل ” معربة من أصل يوناني وتحمل معنى ” البشرى ” أو ” الخبر السار ”
ومما جاء في الإنجيل من نصوص :
( في تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهود قائلاً: تربوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات . فقوله: &قد اقترب ملكوت السماوات& إشارة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبشارة به وبقرب بعثته؛ إذ هو الذي ملك وحكم بقانون السماء الذي هو شرع الله تعالى.

وجاء فيه أيضاً:
قدم لهم مثلاً: قائلاً: &يشبه ملكوت السماوات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله وهي أصغر جميع البذور، ولكن متى نمت فهي أكبر البقول& فهذه البشارة هي عينها التي في القرآن؛ إذ قال تعالى في سورة الفتح: وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]]. )10 .
وقد أشار القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى (( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6)}11

فهذه بشارة كاملة بالنبي الخاتم وقد أيده الواقع ، إذ بعث صلى الله عليه وسلم والعالم كله في ظلمات الشرك والكفر، وقد مقت الرب تبارك وتعالى الناس عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب فلا مجال عند ذوي العقول والأفهام صرف كل تلك البشارات والعلامات والأوصاف ل”مسايا ” مجهول إذ لو كان غير الذي بعثه الله لكان ظهر وهذا لم يحدث في الماضي ولن يحدث في المستقبل لظهوره صلى الله عليه وسلم.
وهذا نزر من فيض فرغم تحريف هذه الكتب إلا أنها ما زالت تفيض في نعت رسول الله .

■ أما من الناحية الفعلية لظهور ميلاد خير البرية فقد أقتضت حكمة الله وسنته في خلقه أن يعقب ذلك الظلام الدامس ظهور شمس النبوة .

{ ولقد أجتمعت كلمة المؤرخين عامة على أن العالم الإنساني قاطبة -والعالم العربي بصورة خاصة- كان يعيش في دياجير ظلام الظلم والجهل، وظلمات الطغيان والاستبداد تتنازعه الامبراطوريتان الفارسية شرقاً والرومانية غرباً ويؤكد هذه الحقيقة قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: ( إن الله نظر إلى سكان العالم فمقتهم عربهم وعجمهم جميعاً إلا بقايا من أهل الكتاب )] . فالأحوال متردية ساقطة هابطة في العالم الإنساني بأسره لاسيما في العالم العربي حيث الفساد في كل جوانب الحياة، السياسية منها كالاقتصادية، والاجتماعية كالدينية، الكل سواء.
[وكلمة عابرة نقولها على تلك الأوضاع المتدهورة المتهالكة؛ ليُعرف مدى الحاجة إلى فجر النبوة المحمدية. لتبديد تلك الظلم المتراكمة وإبعاد تلك الويلات الملازمة للحياة الخاصة والعامة في ربوع ديار العروبة قاطبة؛ إذ لا فرق بين يمنها وشامها ولا بين حجازها ونجدها.
ولتعظم عند ذي الوعي العاقل منة أنوار الفجر المحمدي التي ستغمر الجزيرة والكون من ورائها هدايةً ونوراً. ].☆
……………
■الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم.
أما الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم لم يكن سوى إحياء للمعاني العظيمة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم لحياة الناس وسعادتهم .
ولم يزل فرض الإحتفاء بمولده صلى الله عليه وسلم سنة متبعة تشتاق إليها أرواح المحبين في كل عصر وفي كل وقت وحين وخاصة في مرور ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم , فأرضا هذا كل مؤمن موحد , وأبغض كل منافق مفتون .

■ ثانيا : مظهر من مظاهر الاحتفاء بمولد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم فرض على المحبين شهد به الكفار والأعداء قبل المؤمنين يقول
(الكاتب مايكل هارت :
عن سيّدنا محمّدا عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام أنه ( أعظم الشخصيّات أثرًا في تاريخ الإنسانية كلّها باعتباره «الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي». ترك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) أثرًا كبيرًا في نفوس المسلمين، حتى كثُرت مظاهر محبّتهم وتعظيمهم له، من ذلك الاحتفال بمولده،))*

فيالي العجب كيف يعتبر الكفار أن الاحتفال مظهر من مظاهر المحبة والاتباع , والبعض من أبناء الطائفة المسلمة يبغضون هذا المظهر وليتهم سكتوا بل وينكرون على من يبتهج فرحا وسرورا بمولده .
فمن غريب القول الخوض في مشروعيته من عدمها , فاشهار الله له في الأولين والآخرين أعظم دليل وأكبر برهان . وما معنى قوله تعالى: (( لتعزروه وتوقروه ))
إلا مظهرا من مظاهر الإحتفاء به .

* لذلك لا غرابة أن يحفظ الأبناء والأباء سيرة الرسول الكريم , من خلال ترتيلها في المناسبات الدينة التي تتجلى فيها مظاهر البهجة والسرور . وهي مناسبة ينبغي أن تستغل في فعل الصالحات بالتاسي برسول الله بإكرام المساكين , وصلة الرحم .

■ثالثا : ذكر بعض من سيرته صلى الله عليه وسلم
بأبي أنت وأمي سيدي يا أبا القاسم صلوات ربي عليك ما تعاقب الليل والنهار وما غرد طير وسار , وما تنفس ذو روح في المساء والإبكار ,
(ولدت منزها من كل عيب : كأنك قد ولدت كما تشاء .)
شهر مولدك هو شهر ربيع حيث الخصب والنماء .
البلد الذي ولد ت فيه
مكة المكرمة “جبال فاران” {وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } وأنا أشهد أن الله قد خلقك الله في أحسن تقويم , وأعلاك إلى أعلا عليين .وبرأك فأنت خير البرية .
معشر الأحبة :
اسمه :” محمد ,” و,” احمد ” يتفقان بمعنى واحد كثرة الحمد والمحامد ,, هذه عناية الله حتى باختيار اسمه ثم انظروا .
أمه : “أمنة ” الأمن والأمان والإيمان .
أبوه “عبد الله” ,وهل هناك معبود في ال جود بحق إلا الله .
مرضعته “حليمة السعدية ” حلم وسعادة .
يوم مولده في يوم الاثنين.
الشهر الذي ولد فيه الثاني عشر من شهر ربيع الأول شهر ربيع الخير والنما .

جعلت حياتك للقلوب ربيعا ,,,
ومشى بشيرك في الأنام مذيعا .

الله أكبر حيث بشر قائلا ,, وهب الإله للأنام شفيعا .
من عام الفيل قبل ثلاث وخمسين سنة من الهجرة ، ما يوافق سنة 570 أو 571 ميلاديًا و52 ق هـ. عام معجزة هلاك الفيل .

ولد حبيبنا المصطفى والنبي المرتضى يتما وهل اليتم يغير من المقادير التي يديرها ملك السماوات والأرض ومن إذا أراد شياء أن يقول له كن فيكون .
ثم عاش حياة الشباب بلا طيش ولا ارتياب رعى” بأبي هو وامي” الأغنام , كان في تلك الفترة يعمل بالرعي ثم بالتجارة. وفي الوقت الذي نأى بنفسه عن عادات قومه الجاهلية إلا أنه شارك قومه في كل عمل صالح , وشهد حلف الفضول , وساهم في بناء الكعبة ووضع ركنها بيده الشريفة بعد اختلاف قومه وإجماعهم عليه .
وتزوج وهو في سنِّ الخامسة والعشرين من السيدة الفاضلة خديجة بنت خويلد وأنجب منها كل أولاده باستثناء إبراهيم. ما سجد قبل الإسلام لصنم ولا مارس عبادة الأوثان والممارسات الوثنية التي كانت منتشرة في مكة.
وقد نزل الوحي عليه وكُلّف بالرسالة وهو ذو أربعين سنة،
فقاد العالم والى الأبد إنها مملكة الله التي بشر الله بها على لسان نبيه “دانيال ” وعيسى ابن مريم وإلى الأبد ولو كره الكافرون .

وقد مرت حياته منذ بدء إرهاصات النبوة بسبعة مراحل تبدأ بمرحلة التأمل وتنتهي بإتمام النعمة – لا يسع المقال لذكرها – يوم وقف على جبل الرب تاليا على الجمع الغفير أجمعين وأبتعين , وأكتعين , وأجدعين قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.. )المائدة

■ رابعا : يجدر الإشارة أن نشير لبعض ما لهجت به قرائح المحبين نكتفي بهذه الأبيات للإمام البوصري الذي ختم بها قصيدة البردة :
يــــارب بالمصطفى بلغ مقاصدنـــا,,
واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم .
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بــــــه ,,
سواك عند حلول الحادث العمـــــم .
ولن يضيق رسول الله جاهك بــــــي ,,
إذا الكريم تحلَّى باسم منتقــــــــــم .
فإن من جودك الدنيا وضرتهـــــــــا ,,
ومن علومك علم اللوح والقلـــــم .
يا نفس لا تقنطي من زلةٍ عظمـــــت,,
إن الكبائر في الغفران كاللمـــــــــم..

لعلى رحمة ربي حين يقســـــــــــمها…
تأتي على حسب العصيان في القسم .
يارب واجعل رجائي غير منعكـــسٍ,,
لديك واجعل حسابي غير منخــــرم .
والطف بعبدك في الدارين إن لـــــه,,
صبراً متى تدعه الأهوال ينهــــــزم.
وائذن لسحب صلاةٍ منك دائمــــــــةٍ ,,
على النبي بمنهلٍ ومنســـــــــــــجم .
ما رنّحت عذبات البان ريح صـــــبا ,,
وأطرب العيس حادي العيس بالنغم .
ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمــــرٍ ,,
وعن عليٍ وعن عثمان ذي الكــرم .
والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهــــــم ,,
أهل التقى والنقا والحلم والكـــــرمِ .
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصـــــــدنا ,,
واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم .
واغفر إلهي لكل المسلميـــــــن بمــــا ,,
يتلوه في المسجد الأقصى وفي الحرم .
بجاه من بيتـــــه في طيبـــــــةٍ حرمٌ ,,
واسمُهُ قسمٌ من أعظــــــم القســــم .
وهذه بُــــردةُ المُختــــار قد خُتمــــت
والحمد لله في بــــدء وفي ختـــــم
أبياتها قـــــد أتت ستيــــن مع مائــــةٍ .
فرِّج بها كربنا يا واسع الكــــــــرم​.

……
■ خامسا : كلمة أخيرة :
في ذكرى مولدك سييدي يارسول الله
فداك أبي وأمي لقد تعددت محامدك وتناهت فيك آيات الكمال فأنت معجزة الإنسانية للبشر وأنت سفينة الدنيا للآخرة ,وأنت الذي قال الله في مدحك ” وانك لعلى خلق عظيم ”
لقد أدى الله في هذه الآية من خلائق نبلك وآيات فضلك مالا تدركه العقول والإفهام ,وقد أوقف الله كل شيء عند حده أما أنت يا سيدي يا رسول الله فحسبك قول ربك ” وانزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ”
وحسبنا في بيان كمال رأفته ورحمته وعظيم خلقه قوله تعالى ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)) أخر سورة التوبة , وقوله سبحانه وتعالى (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)) آل عمران
وما عسى أن يقال فيمن اعربت عن فضائله التوراة والزبور والفرقان ,وكان صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بكتاب ربه وأعملهم به وأشدهم خشية لربه يقول الحق ولو كان مرا ,وكان خلقه القرآن وشيمته الغفران , يعفو عن الذنب إذا كان في حقه , إذا دعاه المسكين أجابه , يأكل مع غلامه في إناء واحد , حليم بر رحيم مشفق متواضع ما عاب طعام قط ينام على الحصير ويخصف نعله , الين الناس كفا حسا ومعنى وأجود الناس عطاء صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحين وسلام عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه على ممر الدهور والسنين .

وحان أن نبتهل إلى الله
فكما فرج الله على ألبشرية بأفضل خلق الله محمد بعد كل تلك الصعاب …فإن املنا بالله كبير بأن يبدل عسرنا يسرا ، وضيقنا فرجا ، وخوفنا أمنا وفقرنا غنا بيده الملك وهو على كل شيء قدير يقضي على الخلق وﻻ يقضون عليه ويملكهم وﻻ يملكون قطميرا ، يعطي من يشاء فضلا ويمنع من يشاء عدلا ..
لإن من سنن الله في الكون إن الانفراج يكون بعد الشدة ,والضياء يكون بعد الظلام ,واليسر بعد العسر ويبقى الامل ولا بد ان ينتصر الحق على الباطل والحياة على الموت والعقل على الجهل
***
■ سادسا : دعاء :
نسال الله أن يكفنا في يمننا وشامنا شر العدوان , وأن يفك أسر المسجد الأقصى وأن يفرج عن إخوننا في فلسطين ماهم فيهم , وينصرهم على أعدائهم المحتلين وان يهيء للمسلمين أمر رشد إنه سميع مجيب .

ورغم المرارة ورغم اﻷلم يبقى الأمل :
ونقول كل عام وأنتم بخير والعالم كله بخير ان شاء الله .
أيها الإخوة الأحباء :ألزموا طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم تفلحوا وتنالوا جنة عرضها السماوات والأرض ,اللهم أنت المسؤول والمرجو أن تقربنا منك بقربه ,وتحسبنا بحسبه وان تجعلنا بكرمك من أولى الناس به,ومن أشغفهم بحبه,وألحقهم باله وصحبه ,واخصهم بقربه في حضرة زلفى لديك ومقعد صدق بين يديك ,اللهم وثبت أقدامنا على صراطه المستقيم ,واجعلنا من جيرانه في دار النعيم إنك جواد كريم ……….
:::::::::::
الهامش :
1: سورة الأحزاب
2: من كتاب التوحيد الأعظم الشيخ أحمد ابن علوان ص225.
3,,من سورة ص .
4,,من سورة آل عمرآن
5,, من سورة البقرة.
6 , الوعد بنبي بعد موسى التثنية “15 الى 20 ” ص 253,254 الكتاب المقدس ترجمة تفسيرية طبعة ثانية 1988م .
7,, من سورة الأعراف.
8,, من سورة البقرة.
9,, من سورة البقرة .
10 ,, من كتاب ابو بكر الجزائري هذا الحبيب يا محب.
11 ,,من سورة الصف .
☆ من كتاب هذا الحبيب يا محب.
* مقتبس من مقال للكاتب/ أحمد محمود سعيد في دنيا الوطن 3/2/2012

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى