في تلك اللحظة
عندما تلتفت ابنتي إلي لترمقني بتلك النظرة الحادة
وتضيف : ” أمي .. أرجوك .. اتركيني ..
كفاك تدخلا في حياتي ..
ما عدت طفلة صغيرة ” ..
في تلك اللحظة ..
تعود إلى ذاكرتي لحظات بعيدة قريبة ..
أول كلمة ” ماما ” ..
سقوط أول سن لبني ..
أول خطوات لتلك الأقدام الصغيرة على الأرض ..
وأول يوم في المدرسة ..
منذ ” أيام ” ، كانت تستمد قوتها من وجودي معها ..
وكانت تتباهى بثقتها بنفسها من مرافقتي الدائمة لها ..
والآن بات لزاما علي أن أدعها لترسم حياتها بطريقتها الخاصة ..
وتتخذ قراراتها بناءا على قناعاتها ..
مدركة تماما أنها هي وحدها من تتحمل مسؤولية تلك القرارات ..
وأنني دائما موجودة لأدعمها ..
وموجودة فقط لمؤازرتها ..
موجودة عندما تحتاجني فقط ..
وعندما تطلب رأيي ووجهة نظري فقط ..
في تلك اللحظة ..
أدرك حقيقة هامة ..
يجب أن أتراجع قليلا ..
وأوسع لها دائرة الحرية ..
وأترك لها القرار في إدارة حياتها ..
بما تراه هي مناسبا لها ولمستقبلها ..
وليس حسبما أراه أنا مناسبا ..
يجب أن يكون لها مطلق الحرية في القرار وتحمل المسؤؤلية ..
إنها ” ابنتي ” .. وليست ” أنا ” ..
في تلك اللحظة ..
أقرر أن أسيطر على مشاعري ..
وأتجاوز رغبتي بالبقاء بجانبها وقريبا منها ..
لدرجة تخنقها ..
في تلك اللحظة ..
أستفيق لأدرك أنها لم تعد تلك الطفلة الصغيرة ..
رغم أنني كلما نظرت إليها أراها ” قطتي الصغيرة ” ..
التي يعنيني ويهمني دوما أن تظهر بأكمل صورة ..
وأبهى إطلالة ..
في هندامها ، ووقفتها أما الكاميرا والعدسة ، أو الميكروفون ، أو على المسرح ..
عباراتها الأقوى والأعمق ..
وتعبيراتها الأروع والأصدق ..
أطفالنا هم المستقبل ..
نستفيد منهم أحيانا أكثر مما يستفيدون منا ..
وكلماتهم وتعابيرهم وآراؤهم ووجهات نظرهم أحق بأن تحترم ..
في تلك اللحظة ..
ابنتي الصغيرة ” قطتي الصغيرة ” أصبحت ” صديقتي ” ..