في ايران وسوريا / م .ليث الشبيلات

في ايران وسوريا
( فإن العقل العربي في معظمه لا يفهم مسألة سوريا إلا بلونين إما أنك مع النظام أو أنك عدوّ للنظام،)
ايها المتابعون الافاضل ان عدم متابعتكم لمواقفنا حسب التسلسل الزمني منذ ٤٠ عاما يجعلكم اسرى مواقف مجزأة خارجة عن السياق مثل “ويل للمصلين”. اليكم مختصر عن الموضوع كما نشر في العرب اللندنية قبل اشهر :

“….. أما عن العلاقات المحفوفة بالالتباس فبالطبع ستكون محفوفة بالالتباس لأيّ سطحي يقرأ أحداث السنوات الأربعين الماضية بسياق اليوم وليس بسياق وقت حدوثها. ونبدأ بالإمام الخميني، ليس صحيحا أبدا ما ورد في المقال من أنني التقيته عدة مرات وهو أمر للأسف لم يحدث . وكما أن أمنيتي التي لم تتحقق بلقاء شي غيفارا الثوري الأممي العظيم لم تجعلني شيوعيا بل إنسانا يقدّر كل مناضل ضد الطاغوت الاستعماري الأميركي الصهيوني فإن إعجابي بثورية الإمام الخميني لم تجعلني أغيّر مذهبي السني الحنفي الأشعري الشاذلي إلى جعفري مع إصراري على احترام مذاهب الأمة جميعا مستنكرا المغالين المتعصبين في كل مذهب. فإعجابي سياسي من الناحية الثورية. هذا في السياق الزمني وكانت جميع القوى الشعبية تقريبا تقف مع إيران في الحرب العراقية الإيرانية من الشيوعيين وحتى الإسلاميين ونصف البعثيين (السوريين في وجه العراقيين) علما بأنني لم أزر إيران ولم أتعرف على أيّ مسؤول إيراني إلا بعد أن بدأت التحضيرات الأميركية لغزو العراق حيث ذهبت مرة في وفد ومرة أثناء حصار العراق لحضور مؤتمر القدس عام 1990 قبل الحرب بأسابيع ثلاثة ثم بعد العمليات العسكرية بطلب من القيادة العراقية لمحاولة تثبيت اتفاق نائب الرئيس عزت الدوري مع الإيرانيين والذي أرسل العراقيون طائراتهم الحربية كأمانة لدى إيران.

واعتقدنا أن موقف الإيرانيين من الشيطان الأكبر سيجعلهم يقفون في وجه الغزو فخيبوا آمالنا وصدمنا من موقفهم والقصة طويلة قد لا يكون مكانها هنا ولكن أذكرها لمن يتهمونني بأنني إيراني لمجرد أنني لا أقبل أن تعامل إيران كعدوّ رغم خلافي معها. بل لقد انتقدت عام 1991 الإمام خامنئي في مذكرة مكتوبة سلمت باليد وبقيت أنتظر الجواب في الفندق دون فائدة واتصل بي بشار معروف رئيس جامعة صدام (موجود الآن في عمان) وكان مكلفا بمتابعة الدبلوماسية الشعبية العراقية قائلا لي إن وفد الإخوان المسلمين الذي غادر إيران عند وصولي لطهران يبشرونه بنتائج جيدة فقلت له لا تصدقوا هذه السذاجة فهؤلاء الإيرانيون ج…… فارتبك قائلا أنت تكلمني من طهران ويسمعونك فقلت فليسمعوا. وتلاسنت في الفندق مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى إذ هبّ واقفا قائلا أنا لا أسمح لك أن تنتقدنا في بلدنا فصرخت فيه اجلس أنسيت أن ماكفارلين قد نزل في الطابق العاشر من هذا الفندق فجلس ساكنا (مكفارلين هو المبعوث الأميركي السري الذي رتب صفقة الكونترا التي كانت فضيحة كبرى وكانت الأسلحة من إسرائيل لإيران جزءا منها). بالمناسبة لقد خانت إيران الأمانة في موضوع الطائرات الحربية إذ رفضت إعادتها للعراق كما تقتضي أبسط شروط الأمانة ونسقت مع الأميركان بإدارة وجهها للناحية الأخرى على الأقل ساكتة عن احتلال أفغانستان ثم العراق.

فهل التبس الأمر على الرئيس الشهيد صدام حسين الذي كان يغمرني بمحبته واحترامه عندما استقبلني وأفرج لي عن جميع السجناء والموقوفين الأردنيين عام 1998؟ رغم أن أول كلمة افتتحت بها الكلام في لقاء الساعات الثلاث: أريدك أن تعرف يا سيادة الرئيس قبل أن نبدأ الحديث بأنني كنت وما زلت من أشد المعجبين بالإمام الخميني فلم يهتز له رمش إذ يفهم جيدا أن إعجابي هو بالثورية الأسطورية في الموضوع وليس بالناحية السياسة منه خاصة بعد أن نزعت إيران شادور الثورة ولبست فستان الدولة. والحديث يطول وحتى لا يزداد التباس الكاتب سأحدثه عن الالتباس الحالي الأكبر: موقفي ممّا يجري في أحد أعز وأحب بقاع العالم العربي علينا، سوريا. فبينما عتاولة السياسة ورجال الدولة في دول عريقة ذوات حضارات عميقة مثل تركيا وإيران يحترفون فن السياسة فإننا معشر العرب ليس عندنا إلا سذاجة “إما أبيض أو أسود” رغم أن جميع صراعاتنا لا تنتهي في نهاية الأمر إلا بالرّمادي.

مقالات ذات صلة

الرمادي الذي كنا نستطيع أن نصل إليه دون تدمير بلادنا واستشهاد أبنائنا (مثل لبنان بالأمس وسوريا اليوم واليمن غدا) فالأتراك والإيرانيون مثلا يتواجهون عسكريا في ساحة غيرهم (سوريا) ويتعانقون ويحضنون بعضهم بعضا اقتصاديا وسياسيا على أعلى المستويات في نفس الوقت وهذا الدهاء وهذه الأناة في التفكير ليست عند بني يعرب فأنت إن لم تكن معي فإنك عدوي. لاحظ أنه فضلا عن السياسة الوطنية فإن لكل من تركيا وإيران مشروعا مذهبيا تدافع عنه وترغب في تقدمه وكلتاهما زعيمة لا جدال حول زعامتها للمذهب ولكنّ أيّا منهما لا يعرّف حربه على أنها حرب من أجل المذهب.

لذلك فإن العقل العربي في معظمه لا يفهم مسألة سوريا إلا بلونين إما أنك مع النظام أو أنك عدوّ للنظام، فإن أنت انتقدت بطش النظام ومظالمه ومفاسده فأنت عدو للنظام وإن أنت انتقدت أداء المعارضة والتجاءها للمستعمر الفرنسي وإلى علم انتدابه الكريه (أنا في شبابي لحقت بزمن علم الانتداب القديم وأعرف أن العلم الحالي لم يصممه حزب البعث ولا عائلة الأسد بل هو علم الجمهورية العربية المتحدة علم الهوية العربية قبل وصول البعث إلى الحكم) ثم التجاؤها إلى الناتو والتسليح والطرح الطائفي العلني فإنك تصبح شبّيحا للنظام. ولعدم الإطالة أختصر: موقفي في سوريا ثابت قبل الأحداث وأثناءها وبعدها حتى اليوم معارضا عاقلا ينسجم بالكامل مع موقف المناضل هيثم مناع ومن لفّ لفه من أصحاب الثوابت الثلاث “لا للطائفية لا للتسليح ولا للتدخل الأجنبي” مضافا إليها لا للقبول بتلاعب المخابرات العربية بالشأن السوري.

اجتمعت مع بعض من يرى رأيي من الإخوان المسلمين في الأردن مع بعض إخوانهم السوريين الموجودين في عمان لإقناعهم بالعدول عن طريق التصادم ففشلنا وذلك بعد أن التقيت أيضا السيد حسن نصرالله خصيصاً لمحاولة أن يدفع كل منّا من جهته بالطرف المنفتح عليه بضرورة التوصل إلى تفاهم سياسي سلمي. ولكن بعد فشلنا ذاك وقفنا نتفرج على العناد الذي دمر البلد الحبيب وقتل وشرّد أهله سنوات طوال لماذا؟ لكي يصلوا رغم حتف أنوفهم إلى الحل الرمادي الذي كان بالإمكان الوصول إليه ابتداء ولكن الآن ليس بإرادتهم بل بإرادة القوى العالمية والإقليمية التي تقرّر لهم المصير. لقد لخصت الموقف كاريكاتوريا قبل سنة: هل تم تدمير البلاد واستشهاد نصف مليون وتشريد الملايين كان حتى يفاوض النظام (بشار الجعفري) النظام (رياض حجاب) ألم تقدر المعارضة حتى على أن تفرز قائدا جماهيريا واحدا؟ الآن وبعد خراب البصرة بدأنا نسمع من غلاة الطرفين كلمة: نشهد أن موقفكم المتوازن هو الموقف الصحيح.”

العرب اللندنية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى