فليسقط الرجال / يوسف غيشان

فليسقط الرجال

استغلال الرجل للمرأة هو الاستغلال الأول في التاريخ . وبعدها بلش الرجل يستغل كل شيء ، حتى نفسه ، ففي عالم يحكمه الرجل بغروره وعُقده الاوديبيّة كان لابُد من ان تنشأ الحضارات وتنطفيء بعد ان يسأم الرجال من ( الهشك فشك ) . حتى الثورات الاشتراكية التي رفعت شعار تحرير المرأة ، لم تحصل المرأة فيها بعد الانتصار سوى على ( القشل ) ولم تعرف أي قدر من المساواة مع الرجل (حسب النظريات ) إلا في حروب العصابات والمقاومة السرية حيث تهبُ الثورةُ المرأة حقَّ الموتِ في سبيل الوطن .وعند إنتصار الثورة ، تعود ( الحُرمة ) إلى الخطوط الخلفية ويستولي ( الرجالة ) على المكاتب السياسية واللجان المركزية وقيادات المناطق المحلية .
كل ثورة على القديم تعتبرها المرأة وعداً بعالم جديد ، عالم مُفعم بالمساواة ، لكنها دائماً تقع في الغلط نفسه ؛ إذ يصبح رفاق اليوم رجال الغد ويتضاءل الأمل بالعالم الجديد وبمشاريع إعادة النظر في العلاقات الإنسانية التقليدية .
نجاح الثورة مرهون بمشاركة النساء ( كما قال لينين ) ، وبعد النصر يعدن كالجيش المهزوم إلى أسر البيت الذي يحوّل المرأة إلى عبدة بيتية ، ويقتل إنسانيتها في عملٍ مقيت مُبلّد للفكر والإحساس وغير منتج ( كما قال ماركس ) .
وقد طور الرجل أساليبه في الهيمنة على الجنس الذي يشكل (55%) من البشر ، فاقنع المرأة بأنها أمورة وفرفورة ورقيقة ، لكنها أمورته هو وفرفورته هو ورقروقته وملاكه هو ، … ولا شيء غير ذلك. وأقنعها بأن الكعب العالي يزيدها جمالاً وشموخاً ، وأن عليها أن تحتمل ألدسك والآم الظهر والرقبة ، وان تظلّ ( أرشق ) من جندبة الحقل ، وملأ وجهها بالمساحيق ونتف حواجبها وأخترع لها (العقيدة) بالسكر وبالعسل وماكنة ( نواعم )… وأصدر لها المجلات التي تعلمّ الزوجة أساليب الطاعة والخنوع المثلى للزوج .
لو فكر الرجل ، لو فكرت الأحزاب التقليطية والسلطات الثورجية ، لاكتشفت بان تفاوت درجات التطور الحضاري بين أمة وأمة وبين بلد وبلد ، لا بل بين مدينة ومدينة ، يتناسب تناسباً طردياً مع موقف تلك الجماعة أو الدولة أو الأمة من المرأة ، فكلما كانت المرأة في مجتمع ما متمتعة بحقوق تتناسب مع الواجبات ( ولو نسبياً ) ، كلما كان هذا المجتمع أكثر تقدماً وأكثر وعداً . بينما المجتمعات الأكثر تخلفاً هي التي تحول المرأة إلى آتيةٍ للزينة أو أداةٍ للتفريخ .
هل على المرأة ان تنتظر الحروب والانتفاضات حتى تحصل على جرعة مؤقتة من المساواة ؟ لا ، وألف لا .
إنّني أعلن نفسي الآن طابوراً خامساً علناً ، يكشف للمرأة عن تكتيكات الرجل وإستراتيجيته في الاحتيال على مطالب المرأة وحقوقها .
سأدعو الأفذاذ من الرجال ( مثل حكايتي ) إلى تشكيل منظمة غير سريّة تُعلن ( فكراً وممارسة ) انحيازها التام إلى حق المرأة في المساواة والمعاملة بالمثل ؛ لا ، ليس حقّها بالمساواة وحسب ، بل حقها في أن تكون كائناً كامل الحقوق والواجبات ، ويصبح الفرق بينها وبيني الرجل هو فرق في الوظائف البيولوجية فقط .
أدعو إلى منظمة سريّة ، تعمل تحت شعار : فليسقط الرجال .
من كتابي (شغب)الصادر عام 1993

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى