فلسفة التغيير / سهى عبد الهادي

فلسفة التغيير

في تلك العمليات الناشطة لإصلاح النفوس وبناء الإنسان ، وما يليها من عقد ورش عمل ومؤتمرات هدفها إصلاح المجتمعات التي تجمعها عوامل فكرية وتقاليد إجتماعية مشتركة ، لابد من الوقوف لطرح اسئلة لا غنى عنها ، ننطلق من خلال إجاباتها في مسارات التغيير والتطوير المنشودة

السمة الأكثر أهمية لهذه الأسئلة هي سمة الصدق في الطرح وفي الإجابة ، واذا لم تتوفر هذه السمة فإن مصير هذه العمليات الناشطة هو الوأد في مهدها ، ومن سمات هذه الأسئلة ايضا تمتعها بالبعد الفلسفي النفسي والسلوكي كأوجه مختلفة لعملة واحدة

اهم الأسئلة التي تحاول هذه العمليات الناشطة الإجابة عليها ، هي اسئلة تتعلق بمعرفة الذات ، وطرق قيادتها ، ومدى قدرة الأفراد على تحمل مسؤولية أنفسهم وقراراتهم وإختياراتهم ، وصولا الى مرحلة الرضى والقبول

مقالات ذات صلة

في نظرة عامة لمجتمعاتنا العربية بشكل خاص ، نلاحظ بعض السمات المشتركة التي توحد نظرة الأفراد لأنفسهم بالأغلبية وليس بالمطلق ، وفي ما يلي بعض الزوايا التي نحتاج ان نتمهل لنتفكر بها اذا ما اردنا تقدما وإصلاحا ، وعمدت هنا الى المبالغة قليلا في قراءة المشهد ونقل الصورة بطريقة اقرب الى الكوميديا السوداء ، لعل ذلك يثير جوارحنا ويستنفر هممنا ويحفزها لإحداث التغيير ..

نحن قوم لا نحب ان نواجه ما تعودنا عليه وما وجدنا عليه آباؤنا ، نكره أن تشير اصابعنا الى مواطن اخطاؤنا بغية إصلاحها ، فنحن بارعون اكثر في استخدامها لإلقاء اللوم على غيرنا ، لا يهم إن كان ما نلومه بشر أو حجر أو ظروف ، أو حتى تطور أو تكنولوجيا لم نساهم الا في استهلاكها ، المهم أن لا نرى انفسنا محشورون مع اخطائنا في زاوية واحدة ، فذلك ما لا يحتمله كبرياؤنا وغرورنا

نعشق أن نرى الصورة كاملة دون تفاصيلها ، رغم أن التفاصيل الصغيرة أجمل ولها معنى اكبر ، لكن تأبى نفوسنا أن تراها ، لإن في ذلك إعتراف بالتقصير ، تعافه هالاتنا التي عملنا جاهدين على تقديسها دون تمحيص او توقف لو لمرة واحدة على امتداد اعمارنا

جبناء نحن حين يتعلق الأمر بكينونتا او شخصياتنا ، نفضل أن ندفن رؤوسنا كالنعامة علنا اذا لم نرى انفسنا فقد لا يرانا الآخرون ايضا ، وعند المواجهة فتهمتنا جاهزه لكل شئ ولأي كان ما عدانا

موهوبون نحن بالتنظير ، ننظر منذ بزوغ الفجر حتى ساعات المساء ، كلمات وعبارات واصوات جوفاء تتدفق كالسيل الجارف من افواهنا بالمجان ، كلنا في العلم علماء ، وفي الدين فقهاء ، وفي الأصول وفيما يصح او لا يصح حكماء ، لكننا أمام إصلاح انفسنا نقف عاجزون ، عنيدون ، غافلون ، وكأننا صم ، بكم ، وعميانا

لا خطأ في ان نحقق ذواتنا ونقدرها ، لكن لا يصح أن نقدسها كأصنام لا تخطئ ولا يجوز المساس بها أو تغييرها ، فالأرواح جنود مجندة ، إن جبلت على الخير وسعت له وعقلته كان الفوز حليفها ، وإن هامت تائهة على وجهها دون تفكير كان الضياع مصيرها

ويحضرني هنا ما قام به الخليفة عمر بن عبد العزيز اذ أرسل رسالة للحسن البصري يقول فيها :
,, أما بعد ..فإن أتاك كتابي هذا ( فعظني وأوجز ) !!
فرد عليه الحسن البصري قائلا له : ,, أما بعد .. ( فأعص هواك ) .

فإذا كان الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي اشتهر بالعدل والصلاح ، والذي لم تكن الدنيا في عهده بهذا الجنون الذي نعيشه الآن يطلب النصيحة ليقوم بها نفسه ، أنستكبر نحن على أنفسنا ذلك ؟

لا عيب في أن نتمهل ونقف بين الفينة والأخرى لنقوم ما اعوج فينا بكل رفق وحب ، فليس في ذلك امتهان او تصغير لقدرنا ومكانتنا ، على العكس هي وقفة شجاعة ، تعلي من شأننا وتسمو بها نفوسنا ونشعر بنشوتها وجمال انجازها في داخلنا ، حتى قبل أن يشعر بها الآخرون حولنا

لنتواضع قليلا عباد الله ، ولنقف مع أنفسنا كأصدقاء رحماء مخلصين ، إذا رأوا في صديقهم خير أثنوا عليه وشجعوه ، وإن رأوا اعوجاجا نصحوه وعاونوه على التغيير ، ولنأخذ بيد أرواحنا لما فيه خيرها وصلاحها ، وسعادتها في دينها ودنياها ، وحسن مآلها في خاتمتها ، ويكفينا في قوله تعالى : (إنَّ اللهَ لا يُغيرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسِهِم ) درسا بليغا …

وليكن شعارنا ( نحن لا نبتغي الكمال إنما نرفض أن نبقى على الهامش )

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى