فقاعات الصابون / يوسف غيشان

فقاعات الصابون
كنا صغاراً ذات قرن ، كنا نلعب ونتهاوش ونتصالح ويكون منا الضارب والمضروب والرابح والخسران ، و لمّا كان الضارب (يتفشخر) على الخسران بانتصاراته ، كان الأخير لا تعوزه المصطلحات التي توفرها اللغة العربية لهكذا موقف ، وهي مصطلحات نرضعها مع حليب الأم ( أو حليب اللاجئين ) وتهدف إلى التخفيف من غلواء الهزيمة النفسي على الخسران ، فكان المهزوم يعد ( ويتوعّد ) الهازم بأن يرد ّ له الضربة بعشرة .. وهذا غير صحيح في الأغلب وقد يأكل (قتله) أكثر وطأة من الأولى ، لكنّه لا يتورّع عن إطلاق هكذا وعود واستخدام ما منحته لنا اللغة من حيل نفسية وهروب إلى الأمام من أجل الحفاظ على احترام الذات ، وعلى التوازن النفسي .. لأنّ المضروب إذا لم يقل هكذا ، سوف يتحوّل إلى (مطسّة) أولاد الحارة .
هذه المصطلحات المضادة للإحباط و الانكسار ، كان الصوت والنبرة يتشاركان في تثبيت تأثيراتها.
ومن هذه المصطلحات التي أذكرها هذه اللحظة :
(بسيطة ، بورجيك ، بنتقابل مرة ثانية ، بنشوف ، الك يوم..) .
لكن اشهر مصطلح كنا نستخدمه بعد أن (ننغلب) هو : ( المهم عرّقناكو..) والمقصود أنّ العرق قد تصبب منكم حتى استطعتم أن تغلبونا وبصعوبة .. وهذا أهم من (الغلب) ذاته .
طبعاً الأمر ليس صحيحاً ، لكن ماذا يفعل الضعيف في مواجهة القوي ّ ؟!!
كبرنا .. في الواقع لم نكبر كثيراً ، لأنّ الكبار لهم مصطلحاتهم المشابهة مثل (من يضحك اخيراً..) ، وهذا مصطلح يتوعّد فيه المهزوم المنتصر بأنه سيفوز في النهاية ، أي أنّه (يتفشخر) بمشروع نصر معد ّ ومطروح على المستقبل .
إنّ جميع نضالاتنا ، عرباً وعاربة ، مجرّد مشاريع حكي مطروحة على المستقبل .. مشاريع لا نعمل من أجل أن نقولها.. بل نطلقها في الهواء مثل فقاعات الصابون .
من كتابي(لماذا تركت الحمار وحيدا)الصادر عام2008

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى