فزعة عرب / ابو ورد

فزعة عرب
أعيش هذة الأيام مرحلة سكونية , افقتقر الرغبة بكل شيء , ولكل شيء , عزلة من نوع ما , يقطع رتابتها ما أرقبه من حولي , وأعيد رسمه لوحات عذبة , تغمرني بالنشوة والحنين فألتذ لهما وأطرب . أرثي لحال الناس . يلهثون وراء ما لا جدوى فيه , ويحلمون بتحقيق ذواتهم بطريقة ساذجة , وخيط مصائرهم بكف غيرهم , وزمن أعمارهم مرهون برؤى غيرهم , ويحلمون …..

قبل يومين اقتحم عزلتي مجموعة من نساء بدويات , فزعة عرب ليلية , انتخبابات مركزية ولا مركزية , وشرف العشيرة وكرامتها معلق بالفوز أو الخسارة ! ! كنت في حالة توثب فكري , وتهيج نفسي , أدعو المجموعة للجلوس , ينتظمن امامي سربا من ظبيات صحراوية , ويأتلق الكلام ويأتلف , ويمتد عميقا في مساحات من الصراحة , والبوح حول واقعنا , وضيعتنا , والبدائل الأروع والأجدى , ثمة حالة من الانسجام الفكري يعززه الموجب والسالب , تشتعل السجائر , وتدور “فناجيل” القهوة وأقداح الشاي . يصمت الجميع في انتظار الرحيل , فأجمل الكلام ما لم يقل , وأروع العمر ما لم يعش .

أمس الأول يتصل شقيقي بهاتف مفاجئ , ويخبرني بحماسته المعهودة , ومشاريعه التي عادة لا تكتمل أنه بصدد جمع متفرقاتي وتوضيبها في كتاب أدبي , يغوص في الصحافة المحلية والمهاجرة بحثا عثنها , ينقب عن مقالات ذرذرها الزمن , ولؤم الأسياد وخصوصا “من ذاكزة البدوي” , برأيه انها تسجل حقبة من تاريخ الاردن برؤية جديدة متفردة , وسيكون لها شأن . ويا شقيقي , تعلم ان والدك شيخ , وأشطره فاضت , وحلبت الآف المرات , فغدت الحكمة عنوانه , والخبرة مضمونه ووعائه , فقط أذكرك بإحدى مقولاته : الحق إن ما براه القوة باطل . المهزمون لا تاريخ لهم , والتاريخ هو الهزيمة الكبرى في حياة الضعفاء ; أمواتا في ملابسهم , أمواتا في قبورهم !!
اصفن كثيرا في الغائبين , استحضر طيوفهم , واناجيها , ثمة عتاب كبير , وخيبة رجاء تملأ الفضاءات , ليس مكانها هنا , ولا زمانها الآن , يوما ما سينعقد اللقاء , لن اطيل الكلام , فكل عهد سينتقم لنفسه , وكل وعد سيستحضر قرينه , جمعة لن تخلو من جاحظ وتوحيدي وعبد حميد وابن عميد …. لأول مرة سأصمت , فقط أسرح النظر في النافذة الواسعة . حل موعد طير البرق فقد تاخر كثيرا , كثيرا ُ. ومن حانت رحايله رحل !!

ويا أحبائي , لا ينكسر المرء مرتين , وصعب كثيرا على من تعود الانبطاح الوقوف , ويبقى العزاء الاخير اننا سنموت جميعا ; العدالة الأكيدة في عالم تنخره الاستعراضات والهزائم .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى