فاصلةٌ في العمر ليس إلّا.. / محمد حسين الضامن

فاصلةٌ في العمر ليس إلّا..

ٰ عندما تقترب من نهاية مرحلة ما في عمرك ستدرك أن شكل الأجسام ليس مُهما بالنسبة لك، فحتما ستتغير هذه الأشياء وتتبدل الآن أو بعد حين، فلن يهمك عدد الدرجات التي كنت تصعدها صباحا ولا ارتفاعها، ولكن ما ستهتم به من ذلك كله عدد المرات التي صعدت فيها عليها صباحا، وستهتم بضوء الصباح النافذ من النافذة ليلونَ المكان بلون ذكرياتك الصباحية رفق القهوة والسيجارة، وستهتم برائحة المكان وقتذاك فهي مركبتك المستقبلية للعودة إلى الذكريات.

أنت الآن وحيد تحاول الفرار من كل ما يصنع الذكريات، ولكن وحدتك هذه أنت تعرف وتؤمن أنها جزء من الذكريات كما هو ازدحامك مع الآخرين والأشياء جزء منها، فالانعزال ليس مناصا بل نوعا من أنواع الارتباط.

وسترتكب فشلا فادحا في الحوارات مع الآخرين، عند اقتراب النهايات، ستتظاهر بالفرح بالخلاص والنجاح، ولكنك تعرف أنك عند كل نجاح كنت قد حصلت عليه كان يهدمك الرحيل، وستبدأ ببناء نفسك من جديد خلية خلية، وستحوكها كما عهدناك بخيوط الذكريات، وسترحل عنوة من كل شيء كان، وسترحل دون حقيبة، إلا حقيبة الذكريات.

مقالات ذات صلة

وبعد أن ترحل مدة قصيرة، ستحتاج إلى العودة لتغذية روحك بتراب المكان، فإن حالفك حجر النرد آنذاك وأعادك إلى المكان مفترسا بعد أن أصبحت خارجه فريسة، فستعود ضيفا يُخفي افتراسه للسعادة والاندماج في صفته الجديدة “الضيف”، حتما ستعود كالفريسة.

عندما تعود سيقدمون لك العصائر، وسيقربون منك المنفضة، وقد يأخذ بيدك أحدهم لترى ما في المكان، بعد أن كنت أنت من الموافقين على مخطط البناء! عند ذلك سترحل من المكان صامتا بكل ما فيك من شيء حسيّ أو معنوي إلى حجرتك لتفرّغَ وحيدا كلَّ ما تحمل وكل ما حدث معك على الأوراق.

وعند عودتك أيها الضيف للكتابة لا بد من نثر يكتب ما كان في ما مضى يسمى مكانك، والآن أصبحت تجاوزا تسميه مكانَك، ويكتب ما سيكون في مكانك الجديد، وستحتاج إلى حيلة حديثة في الكتابة تنتقل من خلالها إلى الجديد دون أن تشعر أنت بذلك، ودون أن يشعر فيك أحدٌ من المباركين لك بالنجاح كما يظن، أو بالرحيل كما أبصَرتَ أنت.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى