غيم في سن التقاعد ..

مقال الاحد 5-2-2017
النص الأصلي
غيم في سن التقاعد ..
منذ أن وعيت على تفّاحة السنة المقسّمة إلى شطرين متساويين ، وأنا أتخيل فصل الشتاء فصلاً دراسياً؛”المربعانية”: الامتحان الأول،”الخمسينية”: الامتحان الثاني ثلجات آذار “الامتحان النهائي” ..يسبقه “كويزّات” قصيرة ؛ سعد الذابح وسعد السعود وسعد الخبايا…
كنت أتخيل المطر أستاذا جاداً يكتب زخّات مفاجئة على سبّورة الوقت ،يمتحن دفئنا يراقب تهجئة المنخفضات ، يعلمنا كتابة الحروف على البخار الملتصق بالزجاج، يقيس منسوب فرحنا ،ثم يصحح النوافذ بخيوط الغيث النازلة، قبل أن يرن صوت الرعد الذي يربكنا ونحن نبري مظلاتنا ونلملم معاطفنا في رحلة العودة إلى المنازل…
هذا العام ،لم يكترث المطر الأستاذ للهفتنا كثيراً، كان ملولاً أكثر مما يجب مثل مدرس كهل ،يطيل الجلوس على كرسي الصحو ، فإذا ما تعالت أصوات الضجر ، يقفز عن صفحات الوقت قليلاً ،يتجاهل “درس الثلج” يتركه للقراءة الذاتية ،ويكتفي ببعض الإشارات البيضاء على نص الصقيع..كان الفصل هذا العام مجرّد “دورة تدريبية” تمر على رؤوس الأيام الشتوية دون أن يدخل بتفاصيل البلل أو يسهب في مساق الدفء الجميل..صفحات الزينكو فوق البيوت المنخفضة لم تحتفِ كثيراً بحبر المطر الشفاف ،كل ما كتب عليها لا يتعدّى فقرات قصيرة من درس النسخ المكرر..
ترى هل ملّ الغيم روتين المهنة؟ هل تعب من تخريج أجيال النباتات والجداول المشاغبة الصغيرة ؟ هل اكتفى بسُحُبِ الطبشور التي تمر سريعاً فوق الأوطان دون أن يتيّقن من ريّ الأرض العطشى التي تفتح دفاتر العمر…أو يَطرب لنشيد صوت الزخات على الشبابيك المغلقة التي تردد بصوت واحد نغمات الطرق الشهي في الليل الطويل؟..هل وصل الغيم المعلّم إلى سن التقاعد وصار يكتفي بإشغال حصته بالمشي بين مقاعد الأيام، يمسح في الصباح رؤوسنا بأكفٍّ من ضباب ، بعد أن رمى سوط البرق من يديه المائيتين؟..
يقترب الفصل من نهايته ..و المزاريب أقلام جافة ،الأرض صفحات بيضاء لم تنبت فيها فواصل العشب بعد.. وأبجدية “الغمام” تغفو في دفتر تحضيره المنسي…يا أستاذنا المطر يا “شيخ الفصول”، نحن تلاميذك العطاشى ، فلا تعاقبنا بصمتك ، أملِ علينا كما كنت درس “الهطول” ،لا تدعنا مجرّد نقطة في دفتر الشتاء الغزير..يا أستاذنا المطر..الفصل يزحف نحو نهايته..والعمر كما تدري جداً قصير…

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. بإذن الله الأقلام الجافة سيسيل حبرها .. وبرحمة ارحم الرحمين ما زال في مزن الغيم أجمل العبارات التي ستخطها القطرات على صفحات الأرض المتلهفة لعناق كلماتها … وما زال في جعبة مسابح الغيم أجمل تسابيح المطر .. وسنظل في اشتياق لرعد السماء الذي لا يخلف العهد … وما زال في العمر بقية من أمل يرافقنا الى نهاية الفصول

  2. يا استاذ احمد رحمة ربنا قريبه مازال في العمر بقيه طويله بعونه تعالى حتى ولو ذهبت المربعانيه من غير هطول ما زالت السعودات امامنا ومازالت الايام المستقرصات…(قران العجايز) ربنا يرحمنا انه اعلم بحالناوحاجتنا للغيث

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى