غبرا وغبصا / يوسف غيشان

غبرا وغبصا
يا غبرا يا حزينة !
يا غبصا !
هذه الكلمات كانت تتنادى بها امهاتنا وجدّاتنا، وهي تصلح للنداء وتصلح لوصف ألذات. قد نجد جذوراً لغوية للغبراء والمغبرة والغبار، لكن ( غبصا ) عصية على البحث عن جذرها الثلاثي أو العشاري.. المهم انها كلمات تستخدم للتحسر والمسكنة وأحياناً لتحقير ألذات أو إلى إظهار الشفقة والتعاطف مع المخاطبة (على اعتبار أنها جزء من القاموس النسوي)!!
عزيزة .. هي أحد قريباتنا البعيدات، وصلت إلى مركز الأمومة والطفولة ( المركز الصحي حالياً ) لمعالجة أحد أطفالها وهي تلفه كاملاً ببطانية خشية عليه من المطر والبرد، ولما سألتها الموظفة عن اسمها ، نسته تماماً لأن لا أحد يناديها به أصلاً وبعد تفكير غير مجد قالت مستنكرة: يا غبرا يا عزيزة.. كيف إنسيتي أسمكي ؟!
وهكذا عرفت الموظفة اسم عزيزة.
أما الجانب المضحك أكثر في الموضوع ، فإن عزيزة لما فتحت البطانية لإخراج الطفل وجدتها فارغة..إذ تبين أنها أوقعت الصبي خلال الركض تحت المطر، طبعاً كانت السيارات قليلة آنذاك ، فوجدت الطفل يبكي مدحولاً على الأرض غير بعيد عن المركز.
تضاءل استخدام غبرا وغبصا ، ليس لأننا صرنا أكثر تحضراً واقل بساطة ، لكن لأننا صرنا فعلياً أكثر فقراً ومسكتة وأكثر غبرنة وغبصنة مما كنا بكثير.
كانت الغبرا والغبصا تطلق سابقاً على النسوة فقط ، لكننا صربا شعباً وحكومة من الغبارى الغباصى الذين يتدحرجون على إسفلت الشوارع المكتظة بالسيارات .
عزيزة وجدت من يعرف اسمها من حديثها ، لكننا اليوم لا نجد من يعرفنا ولا من يعرف أسماءنا بعد أن خرجنا من هامش التاريخ إلى هامش الفراغ.
الحكومة طفرانة، بعد أن تعودت على التمتع بالامتيازات الآن هي مضطرة لضبط الإنفاق ورفع الأسعار، وتضع عينها على مصاري النقابات ومؤسسات المجتمع المدني وتتفشش بها، لأنها تعرف صعوبة رفع الأسعار ( وهي ترتفع أصلاً ). والشعب أغبر أغبص لأنه لن يستطيع تحمل أي رفع زائد.
إنها قصة غبرا وغبصا بعد أن تحولت من ثلة من النساء إلى شعب كامل بقضه وقضيضه!!
قبل نشر هذا الكتاب بقليل مرضت عزيزة ودخلت المستشفى .. ولما وصل ابنها المذكور أعلاه ملهوفا يسأل أخاه في قاعة الانتظار عن أمه قال له:
– هيهم حطوها عالشاحن.
ويقصد تلك البرابيش التي يضعونها في أوردة المرضى للتغذية وإدخال الأدوية عن طريق الدورة الدموية .
نحن أيضا مثل عزيزة ، نحتاج إلى شاحن عملاق بحجم الوطن.
من كتابي(مؤخرة ابن خلدون)الصادر عام2006

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال جميل جدا من الكاتب المبدع الاستاذ يوسف غيشان.يا غبره يا حزينه و يا غبصه يا حزينه كلمات اعادتني لايام جميله وبعيده كانت خاصه باهلنا الاعزاءبا الكرك الغاليه….وكنا نحكيها في بيتنا احيانا .يا لها من ذكريات….وايام جميله افضل مما نحن عليه الان مع الشكر الجزيل.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى