عندما يُضبع الرجال / م . عبدالكريم ابو زنيمه

عندما يُضبع الرجال
فيما مضى، كُنا نسمع كثيراً أنَّ فُلاناً قد أكله الضبع، إلا أنَّ أغلبيتنا يجهلون كيف تتم عملية الافتراسِ هذه ! ففي العقود المنصرمة وقبل الغزو التكنولوجي وما رافقه من انتشارٍ لوسائط النقل، كان الناس يضطرون للتنقل إما سائرين على أقدامهم أو مُمتطين ظهور دوابهم، في كثيرٍ من الأحيان وبسبب بعد المسافات وسوء الطرقات كان الليل يُخيّم بردائهِ الأسود الكئيب على أولئك الذين لا زالوا يسيرونَ في الطُرق، مما كان يُشكل فرصةً مثالية للضباع المتربصة بالبشر للحصول على وليمةٍ دسمة، فكانت الضِباع تضعُ ضحيتها المرتقبة قيّد المراقبة منتظرةً أن تصلِ إلى منطقةٍ خالية تصلح أن تكون مسرحاً لعملية الافتراس، وما إن يصل الشخص إلى تلك البقعة حتى يقترب منه الضبع متمحصاً ومتفرساً شخصية ضحيته لمعرفة ما إن كان هذا الرجل شجاعاً أم جباناً، ذلك لأن الجسد البشري يُفرز في حالة الخوف هرمون الأدرينالين الذي تلتقطه أُنوف الضِباع بسهولة نظراً لحاسة شمّها القوية، فإن اشتّم الضبعُ رائحة هرمون الخوف، يبدأ بالاقتراب أكثر وبالدوران حول فريسته ناثراً في الهواء بواسطة ذيله رذاذاً من بوله ممزوجاً بهرمون يُفرزه للتأثير على وعي وإدراك فريسته، ولنطلق على هذا المزيج اسم (awni2018) ، ما إن يشتّم الضحية هذا الخليط حتى يبدأ بفقدانِ إدراكه ووعيهِ وما هي إلا لحظات حتى يستسلم الضحية بلا وعيٍ منه للضبع تابعاً إياهُ إلى وكره، ليكون هناك طعاماً سائغاً لأنياب الضبع، تُدعى حالة اللاوعي هذه بالانضباع، ولا يصحو المُصاب فيها إلا في حالة ارتطامه بجسمٍ آخر يُسبب له إصابة يسيل جرّائها دمه وهنا يستفيق الضحية من حالة انعدام الإدراك هذه وقد ينجو بحياته، في المُقابل، إن لم تشتّم الضِباع رائحة خوف ضحيتها، فإنَّ كل محاولاتها بالسيطرة على ضحيتها بمركب (awni2018) تبوء بالفشل، ذلك لأنَّ أجساد الشُجعان لا تفضح خوفهم، على العكس فقد تقع الضباع فريسةً لهم.
مؤخراً، أصبحنا نرى حالة الانضباع في كلِ مكان، فالمواطن مضبوع والشعبُ مضبوع والمسؤول مضبوع والحكومة مضبوعة، لكنَّ مسؤولينا يعانونَ من حالة انضباعٍ مُستعصية، فالمسؤول هنا يضل يهدد ويتوعد قبل أن يستلم منصباً حتى لتخاله عنتر زمانه، فهو من يتصدر المجالس، وهو من يرعد ويزبد متوعداً اللصوص والحرامية، وهو من يُشهر سيفه في المسيرات والمظاهرات بوجه نهج الفساد ومؤسساته، ويبدو لي أنَّ هناك ضباع تترصد هؤلاء، وما أن تحينَ اللحظة المناسبة حتى تصطادهم وتخدرهم برذاذ (awni2018) ومن ثم تجرهم إلى كرسي المسؤولية ليبقوا مضبوعين طوال فترة بقائهم في مناصبهم، ففي الوقت الذي يصرخ فيهِ الشعب الأُردني بجميع أطيافه في وجه الفساد وفي وجه الحكومات الهزيلة والصورية وفشلها في إدارة الدولة نرى هؤلاء المضبوعين متشبثين بكراسيهم غير مدركين لما يدور حولهم، وما أن يستفيقوا من صدمة الانضباع بعد تنفيذهم للأوامر الخارجية المعادية للتوجهات الوطنية وتتم إقالتهم حتى يهرولوا للمحطات الإعلامية مرعدين مزبدين متوعدين من جديد !!!
إنَّها حالة عجيبة ! ما الذي فعله ذاك الذي طلب من ناخبيهِ بالأمس أن يوصلوه لدوار صويلح فقط وهو سيكمل الباقي ليجرَّ اللص أبن اللص من وكره؟ ما الذي فعله بعد أن وصل للدوار الرابع ورأى بأم عينه كل جحور اللصوص ! ما الذي فعله سوى نكثه بجميع وعوده، وسوى الانقلاب (180) درجة عن حاله السابق، دولة الرئيس الرزاز وصل الدوار الرابع بدعم وتأييد ومؤازرة معظم الشعب الأُردني الذينَ كانوا على استعداد للمضي معه إلى أبعد الحدود لتحقيق وبناء الدولة الأُدنية الخالية من الفساد ! ماذا فعل ؟ تعامى عن الفساد وتعامى عن مشاكل المواطن المسحوق ولم تُبصر عيناه إلا جيوب الأُردنيين المملؤة بالذهب والألماس والعملات الصعبة الأجنبية، والتي يريد استثمار وادخار جزء منها كوديعة في ضريبة دخل هاني الملقي وبذات الوقت أنصف البنوك ورأس المال من الإجحاف الضريبي الذي أصابهم على ايدي من سبقوه ! وأعتقد أنَّه تعامى أيضاً عن حقيقة كونه من عائلة قومية مناضلة وطنية أفنت عمرها منحازةً للشعوب وطموحاتها واهدافها الوطنية .
لم أستغرب من الإهانة التي لحقت بالوزراء، فهذا ما جنته يداهم بعد أن انعدمت ثقة الشعب بهم، وبعد أن أداروا ظهورهم للمصلحةِ الشعبية ولقضية المواطن العادلة، ألم يفكر مسؤولاً واحداً أن ينحاز لمطالب الشعب ألمحقة والعادلة ويقدم أستقالته من هذا النهج العبثي والمسرحيات الفاشلة !
هؤلاء ذاتهم الذين طُردوا بالأمس سيعودون وسيستجدون عشائرهم وذويهم بعد أقالة أو استقالة هذه الحكومة الصورية منتقدين ومتوعدين أللصوص وأبناء اللصوص من جديد مُتناسين ما فعلوه تحت تأثير مصل (awni2018) الذي يحقن به المسؤول طوال فترة مسؤوليته لضمان انصياعه لتنفيذ الاملاءات وألاوامر العابرة للحدود !!! فعندما يُضبع الرجال يسهل السيطرة عليهم !
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى