عودة الصبي الى شيخوخته / يوسف غيشان

عودة الصبي الى شيخوخته
قريبا سيجد احفاد الشاعر الذي تمنى ان يعود الشباب اليه ليخبره بما صنع المشيب به، قريبا سيجدون انفسهم على حافة الشباب، وعليهم ان يشرعوا في تدبيج الشكاوى والخبريات لما فعل المشيب بهم. بالمناسبة نسي الشاعر جميع التغيرات الإيجابية التي تركها المشيب في شخصيته وركز على كمن شغلة هاملة يمكن ان تحلها الحبوب الزرقاء، وما شابهها من ادوية المفاصل والسكري والتهابات البروستاتا والغدة المعثكلة.
آخر الأخبار العلمية تقول بأن باحثين في جامعة بيركلي في كاليفورنيا احرزوا تقدمًا كبيرًا في فهم آليات التقدم بالعمر والشيخوخة، من خلال التحكم بكميات بروتين سيرتوين في الدم، يأملون في أن يفتح ذلك بوابة أمل واسعة لعلاج الأمراض التنكسية التي تظهر مع التقدم في السن، وأن يحقق انجازات علمية قد تعيد الشباب وتريح ملايين المرضى الذين يعانون من الأمراض التي تفتك بأجسادهم، بسبب الشيخوخة. التجارب على الفئران حتى الان ناجحة تماما.
يعني هذا أنني بعد سنوات سوف اتمكن من استعادة لياقتي الجسدي عندما كنت في سن العشرين، وسوف أعود الى سن الشباب من اجل أن أخبر شبابي ما فعل المشيب بي .
لكني سوف اكتشف بأن هذه العودة المفاجئة الى سن الشباب سوف توقعني في العديد من التعقيدات التي لم اتنبه لها خلال فرحتي بالريعان الجديد الذي حظيت به. ولعل أولها هي المشكلة “الطرماء ” مع أم العيال التي دخلت سن الخمسين بينما عدت أنا الى العشرين ..يعني صرت أصغر من اكبربناتي بأربع سنوات تقريبا !!
فماذا اعمل أنا مع هذه “الختيارة” التي تدعى زوجتي، وأنا اصغر من أكبر أبنائها؟؟؟؟ وماذا تفعل هي مع هذا الشاب الصغير الأهوج؟. وهذه قضية لم يناقش حيثياتها أي فقه ديني، سماوي أو ارضي ، وهل يجوز الطلاق بدون دفع النفقة ؟ على اعتبار انني صغير في السن وأنوي تكوين نفسي ، وليس من العدل توريطي بدفع الاف الدنانير في مطلع حياتي . اضافة الى تعقيدات متنوعة اخرى لا مجال الى ذكرها هنا، منعا للتشطيب.
لنفترض انني تجاوزت التعقيدات الاجتماعية، بما فيها زوجتي وأصدقائي الخيتارية ، فقد تذكرت بأن هذه العودة الى الشباب ذات علاقة بتجديد خلايا العضلات وليس بالدماغ أو بالأجهزة الداخلية معدومة أو قليلة العضلات التي سوف تشيخ معي وأنا في ريعان الشباب، وعلى رأسها الدماغ والغدد الصماء والعمياء وغيرها .
وبناء عليه ، فهنالك احتمال كبير بأن أصاب بضغط الدم في الثانية والعشرين وبالسكري في الخامسة والعشرين، وبضمور الغدة الدرقية في السابعة والعشرين ، ويتم نزع البروستاتا في الثامنة والعشرين. ولن أصل الى سن الثلاثين الا وأكون قد اصبت بعدة جلطات وامتلأت شراييني بالشبكيات . وربما أكون قد تعرضت للفالج .
أما في الأربعين من عمري الجديد(ثمانون بالحسبة القديمة) فأكون قد أودعت ثلثي أصدقائي القدامى في المقابر، على الأقل، لكنني أنسى ذلك ، لأني قد اكون وصلت الى مرحلة متقدمة من خرف الشيخوخة، وربما أصابني مرض (الزهايمر) في الخامسة والأربعين ، وتم ايداعي في ملجأ للعجزة في سن الخمسين (التسعون سابقا)، هذا اذا افترضنا أنني لم أكون قد هلكت قبل ذلك بكثير.
تذكرت الان أنني لا استطيع اصلا أن ادفع تكاليف الطبابة المرتفعة، التي تحتاج الى مليونير على الأقل ، وهي بالتأكيد غير مشمولة بالتأمين الصحي المتواضع الذي تقدمه لي نقابة الصحفيين الأردنيين .
خلص رجعنا ختيارية !!.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى