لماذا اختار منفذ هجوم نيس يوم الباستيل تحديداً لتنفيذ العملية؟

سواليف

تترنح فرنسا مرة ثانية تحت وطأة مجزرة دامية جديدة خلفت عشرات القتلى وأضعافهم من الجرحى.

من المبكر الحديث عن الدوافع والأسباب وراء الحادثة الآن أو عن اسم منفذ الحادث الذي عرف هويته من أصل تونسي وقاد شاحنته وسط الجموع المحتشدة المبتهجة بالعيد في مدينة نيس (جنوب البلاد) وطفق يدهسهم يمنة ويسرة، ولا سبيل الآن للحديث عن ولائه وهل ينتمي إلى “مجموعة إرهابية” أم لا.

الحدث الآن هو الذي يفرض نفسه، وفرنسا تحاول لملمة أشتاتها لتستوعب حصيلة آخر أعمال العنف التي بدأت بمذبحة شارلي إيبدو يناير/كانون الثاني 2015.

تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الجمعة 15 يوليو/تموز 2016، ذكر أن الحصيلة الأولية تشير إلى مقتل 84 شخصاً في مدينة نيس، وفور أن تُعلن أسماؤهم ستضاف إلى قوائم الضحايا التي تضم حالياً أسماء من قضوا في شوارع باريس نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومن قضوا في مكاتب مجلة شارلي إيبدو، وأولئك الذين قضوا أيضاً في متجر يهودي لاحقاً.

لكن المسؤولين الفرنسيين يقولون إن أجهزة الأمن أحبطت عدة هجمات مدبرة ومخططات كادت لتودي بحياة الكثيرين منذ ذلك الحين حتى اللحظة.

فبعد هجمات باريس نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت الحكومة الفرنسية حالة الطوارئ التي قيدت الحريات المدنية، فمثلاً الشرطة مخولة لإجراء تفتيشات من دون أمر من المحكمة، كما تمنح الصلاحية لوضع الناس تحت الإقامة الجبرية خارج إطار مجرى القانون المعتاد.

وقد كشف تحقيق فرنسي حرّكه البرلمان لكشف ملابسات اعتداءات باريس العام الماضي وجود قصور وخلل في منظومة الاستخبارات الفرنسية.

الفشل في منع الهجوم

اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق عكفت على تقييم الفشل في منع سلسلة اعتداءات أدت إلى مقتل 147 شخصاً عام 2015 منذ حادثة إطلاق النار على مكاتب مجلة شارلي إيبدو يناير/كانون الثاني وإطلاق النار الذي تلاها على متجر يهودي للمواد الغذائية، وحتى اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني التي شملت تفجيرات وإطلاق نار منسقاً خارج الملعب الرياضي الوطني وعلى الحانات والمطاعم وفي صالة باتاكلان أثناء حفل موسيقى روك صاخب.

اكتشفت اللجنة “الفشل الذريع” لأجهزة الاستخبارات الفرنسية وأوصت بإصلاحات شاملة لمنظومة الاستخبارات، فضلاً عن استحداث وكالة مركزية وطنية لمكافحة الإرهاب على نسق تلك التي في الولايات المتحدة.

وقال وقتها جورج فينيش، رئيس اللجنة: “لم تكن بلادنا مستعدة، لكن الآن علينا أن نستعد”.

ولفرنسا 6 وحدات استخباراتية تختلف تبعيتها من وزارة الداخلية إلى وزارة الدفاع حتى وزارة الاقتصاد.

اختيار أهم مناسبات البلاد

وفي حين اختار منفذو اعتداء نوفمبر/تشرين الثاني ليلة كان المنتخب الوطني يلعب مباراة، آثر منفذو اعتداء نيس ليلة العيد الوطني الفرنسي المسمى بـ”يوم الباستيل” الذي يعد أهم مناسبات البلاد. وقد يعتقد البعض أن هذا اليوم هو يوم بداية – أو نهاية – الثورة الفرنسية، إلا أن الصواب هو أنه يوم وجّه فيه الشعب الفرنسي درساً قاسياً وصفعة لنظام الحكم الاستبدادي، لذا يرمز هذا اليوم إلى الروح التي تأسست عليها الجمهورية الفرنسية.

ودرجت العادة أن يمنع مرور السيارات في الشوارع هذا اليوم، وحتى تلك الشوارع التي تبقى مفتوحة أمام السيارات تصاب بشلل نظراً لجموع المشاة والمبتهجين الذين ينزلون إلى الطرقات ليحتشدوا ويملؤوها احتفالاً. كذلك درجت العادة أن تجتمع العائلات والأصدقاء معاً في موكب، وأن يكون هناك عرض للألعاب النارية وغيرها من مظاهر الاحتفال.

وفي أحد تلك الشوارع التي بقيت مفتوحة أمام المرور نفذ المعتدون هجوم الليلة، وبهذا التزامن مع العيد الوطني يمكن الاستنتاج أن الهجوم استهدف قلب الهوية الوطنية الفرنسية.

سلسلة اعتداءات

وبهذا يكمل هذا الاعتداء سلسلة اعتداءات تمت خلال أسوأ عامين من عمر البلاد منذ الاحتلال النازي لها؛ ففي اعتداءات نوفمبر التي طالت ملعباً ومسرحاً ومطاعم كان الهدف إدماء الشعب والشارع الفرنسي في أماكن تجمع الناس ومرحهم، وفي “شارلي إيبدو” كان الهدف ضرب حرية الصحافة التي تفتخر فرنسا وغيرها من دول العالم بحمايتها وتقديسها.

وإلى جانب كل هذا الكمّ من المآسي عانت فرنسا في أغسطس/آب 2015 عندما فتح مسلحٌ النار على قطار سريع يقل أكثر من 500 شخص قبل أن يوقفه 3 أميركيين منهما جنديان، ومواطن بريطاني.

وكان بحوزة المسلح عدة أسلحة في حقائبه منها بندقية كلاشينكوف ومسدس أوتوماتيكي وشفرات حادة.

كذلك سالت دماء في يونيو/حزيران هذا العام عندما طعن شخص ذو سوابق إرهابية ضابط شرطة وزوجته حتى الموت في منزلهما على أطراف باريس وصور مقطع اعتدائه ثم نشره على فيسبوك.

ورداً على الاعتداءات الكبرى السابقة تلاحم الشعب الفرنسي واجتمع في ساحة الجمهورية شرق باريس ذات الدلالة الرمزية الكبيرة عند الفرنسيين، كذلك فتح الفرنسيون أبوابهم للمهاجرين ضمن مبادرة PortesOuvertes (أبواب مفتوحة) وهي حركة لإيواء جميع المضطهدين المسيحيين، وهو ما فعلوه تارة أخرى ليلة الخميس، ويبقى السؤال ترى هل يتجمع الفرنسيون احتجاجاً وتنديداً بأحداث ليلة العنف الدامية التي عاشتها فرنسا؟

في الوقت ذاته كانت قوات الأمن الأوروبية والأميركية تصوغ ردود أفعالها، فالرئيس الأميركي باراك أوباما أدان ما سمّاه “على ما يبدو حادثاً إرهابياً مريعاً”، وعرض تقديم المساعدة للتحقيق في ما جرى إن دعت الحاجة.

كذلك أهابت وزارة الخارجية البريطانية بجميع رعاياها في فرنسا بضرورة توخي الحذر والتعاون مع مسؤولي الأمن والشرطة المحليين. التفاصيل الأولية تكشف أن الحادثة مكيدة مدبرة لطالما دارت في خلد منظمات الإرهاب لتكون دعاية جهادية أداتها شاحنة تدهس المارة يمنة ويسرة، فمجلة “إلهام” ذات الصلة بتنظيم القاعدة لطالما حرضت على استخدام هذا التكتيك منذ سنين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى