عقلية القلعة وعقلية القبيلة / بسام الياسين

عقلية القلعة وعقلية القبيلة

*** اسرائيل تُدار بعقلية القلعة والدول العربية تُدار بعقلية القبيلة.العقليتان خارج منطق المنطق و منظومة التاريخ وحدود الجغرافيا .اسرائيل واحة ديمقراطية داخل صحراء متوحشة. كذبة كبيرة انطلت على عربان،ترعرعوا على سياط السلطات وبهدلة سجونها.فمنذ ان نبتوا في دول الخوف ومدن الملح،وهم منكمشون في الزوايا الضيقة حالهم حال ضفادع المستنقعات،لا تعرف محيطات لا حدود لها، ولم تسمع عن انهار عظيمة تحمل سفناً عملاقة.حقيقة ثابتة، ان هناك تطابقاً تاماً بين الدولة العبرية والحركة النازية في تقديس القوة ـ ( القوة تصنع الحق)،ويجمعهما مجتمع اسبارطي، يقوم على عسكرة الشعب و ميزانية حرب للتمدد على اراضي الدول المجاورة.عقيدة عسكر اليهود، لا تلتفت الى القيم بل تؤمن ان القتل وسيلة دفاعية ناجحة وناجعة، تسجن الاطفال،تذبح الشيوخ،تقلع الاشجار،تهدم البيوت دون احساس بذنب.سياستها لخصها بن غوريون :ـ ان مستقبل اسرائيل لا تحدده اقوال الناس بل ما تفعله بنادق جنودها.

على الضفة المقابلة،دول عربية لم تصلها الديمقراطية حتى اللحظة الراهنة،بينما العالم يسير بخطىً سريعة الى قمة الالفية الثالثة. زعبرة اعلام السلطات، لا تبني ديمقراطية ولا تصنع نصراً.شعوبنا بعد ان بلعت الطعم اكثر من مرة، ـ صارت تنظر لاعلامها مثل ديك مزبلة ملوث من رجله حتى قمة عُرفه،فلا احد يتابعه او يلقي له سمعاً لكثرة كذبه،اما الحرية فمحجوزة تحت خوذات الاجهزة ، و هروات مقدودة من شجر لا يبلى الا على رؤوس المعارضة.زبدة القول ان العربي المنكوب بانظمته، يعيش سيكولوجية الانسان المقهور.في الشوارع الحزينة ترى :ـ وجوهاً بائسة،شوارب منكسة و اخرى مقصوصة بمقصات جز الاغنام، لان دول التعذيب فرضت على مواطنها الشقاء منذ خروجه من رحم امه حتى نزوله في هاوية قبره،اما اليهودي فانه يعيش سيكولوجية الانسان الشرير المتجرد من كل رحمة، تعويضاً عن قهره على مدى عصور قهره.من يقل غير هذا كذاب او بحاجة الى تحميلة خافضة للحرارة ليتخلص من هلوساته.

*** قناعة بلغت مرتبة اليقين عند موسوليني،ان الشعوب كالنساء تحب الاقوياء.هذا الالتواء الفكري والاعوجاج السلوكي صار نهج حكم إنتهجه الطاغية . الحاكم العربي استنسخه، ليصبح معبود الجماهير.المصيبة نجاح هذا النهج في ترويض الشعوب العربية حتى اصبحت كالقطعان المنومّة، تتحرك بالعصا وتقف بالاشارة.السؤال يجب ان يُسأْلَ :ـ هل الشعوب العربية تعاني من الماشوذية ـ ” التلذذ بالاهانة و الفرح بتمريغ الكرامة” ـ ؟!.اذا كان الجواب ” لا كبيرة ” لان الامة حية ولادة لها ماض تليد،جذور ضاربة في بطن الحضارة،سجل عريق في البطولة،قائمة اطول من طويلة من تضحيات الابطال موثقة في قاموس الرجولة. اذاٍ،لماذا الصمت حد الموت على هذا الموت البطيء وكأن الناس على رؤوسها الطير،فلا هي حية كالشعوب المتقدمة ولا مدفونة في المقابر هرباً من حياتها البائسة؟!.

*** اقول قولي هذا واستغفر الله لإولئك الذين باعوا اصواتهم للنواب ـ بالجملة والمفرق ـ لاجل شراء خبز لاولادهم اثناء الحملات الانتخابية،لعلهم يندموا على ما اقترفت ايديهم، بانتخابهم تجاراً لا نواباً،حيث استردوا ـ بالفهلوة ـ ما دفعوا اضعافاً مضاعفة من امتيازات حكومية وسفرات على حساب الخزنة لتمرير قرارات مجحفة بحق الناس . الحكومة بدورها رفعت الخبز لتشليح الفقراء ما اخذوه من النواب.بهذه اللعبة الدائرية،التفت السلسلة الخانقة حول رقبة المواطن لكتم انفاسه.ذروة البشاعة، اطلالة النواب بعد الرفع على الشاشات الفضائيات بوجوههم ” الممكيجة ” حسب الطقس السائد لتبرير فعلتهم.القطط السمان المتربصة بالجميع، وحدها الرابحة. جرمت لحم “جمل المحامل “،ولما فرغت من تنظيف سكاكينها من آثار دمه، ،توجهت لواذاً على رؤوس اصابعها للحانات العامرة ، طلباً لدفء الشراب.وحدهم الفقراء ظلوا قابعين في زمهرير ليالي البرد القارسة،بانتظار ما سيدلقه هؤلاء و اولئك من فتات في الحاويات .

*** في العالم كله لا تلد الدولة الا عندنا…هي كالارانب تنجب العشرات من ابناء الدولة،و تستولد بالطريقة القيصرية، نخبة مشوة من خاصرتها لتجلس على اكتافنا.شغلهم الشاغل مراكمة الثروة و إلاستئثار بالسلطة، بينما الشعب البطل مثل اسد الله سيدنا حمزة ” لا بواكي له “.ـ يا حسرتي عالشعب ـ الحكومة عليه،البرلمان عليه،الاعيان عليه،الضرائب عليه،المنخفضات الجوية عليه. ليست دعوة للبكاء،لطم خدود،شق جيوب بل صرخة لإصحاب القرار ان يتقوا الله فيه ويرحموه. نعرف ان الملقي ليس بيده الامر،عجبنا منه، كيف تطاوعه نفسه ان يلعب هذا الدور بتسعير نيران جهنم المستعرة،ونعجب اكثر لماذا يصمت الشعب على ذبحه بلقمة عيشه.

*** كنت البارحة في مطار الملكة علياء،موداعاً ابني محمد الحاصل على ماجستير محاسبة،بمرتبة الشرف الاولى من جامعة اليرموك، للعمل في دولة نفطية لكي يوفر المال اللازم لدراسة الدكتوراة في بريطانيا بناءً على نصيحة استاذه ومعلمه البروفيسور المتألق / ميشيل سويدان .ما يؤلمني انه لا مكان لمتفوق في وطني مع انه سخي على ابناء النخبة الذين ينظرون للوطن على انه ” تكية ” للكسالى،و يتذابحون على الوظائف العليا والامتيازات الدسمة.في المطار رأيت دموع فرح في عيون القادمين و احبائهم ، ودموع حزن متحجرة تحت جفون المغادرين وذويهم. سؤال داهمني هل ثمة فرق في التركيبة الكيميائية بين دموع الاقتراب والاغتراب ؟!.لا ادري، لكنني شعرت بملوحة دمعة هبطت رغماً عني على طرف شفتي.عندها تذكرت اجمل ما قرأت من عبرة ناطقة، لمبدع شديد الملاحظة،ثاقب النظرة حين قال :ـ { شاهدت في المطارات، قبلات اشد حرارة من قبلات زفاف الصالات،وسمعت في المستشفيات دعوات اصدق من دعوات المعابد }.حقاً هذا ما رايته شخصياً.ولدي محمد :ـ الله معك و رافقتك السلامة انت وكل المغادرين الاردنيين الذاهبين الى بلاد الغربة لتوفير خبزهم الذي صار ابعد منالاً من ان تلتقطه احلام الفقراء و اغلى من تحصيل العمال المقشرة ايديهم من فرط جروح الكرامة الوطنية جراء سياسات خاطئة وخطايا الفاسدين.وصيتي لك يا ولدي، و انت تكد هناك، لجمع دراهم معدودة لتحقيق امنيتك الكبيرة ، ان تشيل وطنك في عيونك نهاراً و تضعه في اوسع حجرات قلبك ساعة تضع راسك على فراشك،فالوطن جنة المنتمي والجدار الاستنادي الذي يستند عليه عشاقه في الرخاء والشدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نصيحة لابنك محمد لوجه الله: ان يقدم معاملة هجرة لكندا. هناك سيدرس بتكاليف معقولة جدا”. ثم يحصل على جنسية كندية و بالتالي جواز سفر يدخل به اكثر من 170 دولة بدون تأشيرة من ضمنها دول الخليج العربي. كندا هي الوطن. خلي الاردن للفاسدين

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى