عداء الكيان الصهيوني ورفض الشذوذ ما حييت

عداء الكيان الصهيوني ورفض الشذوذ ما حييت
د . ديمة طهبوب

راسلتني منتجة برامج في قناة أوروبية لأجري مقابلة مع محاور بريطاني معروف ببرامجه الجدلية، فوافقت كما أوافق على مقابلات كثيرة، فليس لدي ما أخافه أو أختفي منه وليس لدي أقنعة أرتديها باختلاف المناسبات أو ألسنة أسلها باختلاف الميادين، غير أن دأبي في مثل هذه اللقاءات أني أستفسر عن الأسئلة وأحضر احتراما للجمهور ولنفسي، وبالفعل وصلتني الأسئلة قبل المقابلة، واجتهدت كما أجتهد دائما بالتحضير لأفاجأ أن المقابلة لا علاقة لها بالأسئلة التي وصلتني، ومختلفة عنها تماما ومصاغة باتهامية وما هي إلا مصيدة معدة لشيطنة الحركة الإسلامية، والضغط باتجاه تبني السياسة الأمريكية في حظرها، وبالرغم من أنني قد بعثت رسالة واضحة للمعدة أنني لست الناطقة باسم جماعة الإخوان المسلمين، وأن حديثي عنهم من باب المعرفة السياسية، ووافقت المعدة على ذلك إلا أن جزءا كبيرا من الحوار كان عن إدانتهم وشيطنتهم بل وتعدى على المقام السامي لجلالة الملك، وذكره في الحوار غاضا النظر او جاهلا بالتاريخ الطويل والمتوارث كابرا عن كابر بين الهاشميين والحركة الإسلامية.
كانت الأسئلة تهدف إلى وضعي في موقف المدافع عن اتهامات، وليس أسئلة، معدة مسبقا لا يقبل المقدم إلا بإثباتها على الضيف ويخلط فيها بين السياسي والإنساني، ويتنقل عمدا وبسرعة بين موضوعات تشتت ذهن المشاهد حتى لا يخرج بفائدة أونتيجة سوى الردود والتعليقات التي يعلق بها المقدم على الأجوبة.
بالرغم من الغياب التام للمهنية والخداع المقصود بتقديم لائحة أسئلة وتصور للمقابلة ثم الحياد عنها إلا أنها كانت درسا وتجربة لست نادمة عليها؛ فأنا لست نادمة على مواقفي الثابتة من القضية الفلسطينية والعدو الصهيوني، ومن تحرير كامل التراب الفلسطيني، لست نادمة على أن عاطفتي بالكلية مستغرقة مع الشهداء والجرحى والأسرى والمشردين من أهل فلسطين، مع النساء والأطفال والشيوخ والشباب ولا أرى سوى دمائهم المسفوحة وبيوتهم المهدومة، وأرضهم المصادرة ومقدساتهم المدنسة، لست نادمة أني أرى الصهاينة كلهم جيشا وجنودا نظاميين أو احتياطا في كيان ليس فيه مدنيّون، لست نادمة أنهم عرفوا موقفي في أنني أريد أن يبقى الأردن سجادة صلاة ممتدة كبيرة بامتداد أرضه، لا يمسها ولا يطؤها دنس المحتل الغاصب الذي قاتله أبناؤنا على أرضنا وأرض فلسطين، فعلمناه درسا جعلناه ذكرى واحتفالا لا ننساه ولا أبناؤنا.
لست نادمة أنه عرف موقفي المعلن برفض الشذوذ والانحلال، فالموقف ليس دينيا فقط او اجتماعيا بل قانوني أيضا؛ فقانوننا يجرم الافعال المنافية للحياء، والشذوذ يقلع الحياء من جذوره، أما الضلالات التي حاول تزيين الأمر بها بإلباسها لبوس الحرية والتعاطف فالفرق بين الحرية والتفلت جد عظيم، أما التعاطف فمع الفطرة التي خلقها الله وأودعها طبيعة في النفس الإنسانية، وأما التفلت فركوب الأهواء وتزيين الانحراف أنه طبيعة يجب قبولها والاعتراف بها!!
ظن المقدم أنه أغلق المصيدة وأخذ مني ما يريده، وهو إثبات أني أحرض على العنف بالتشجيع على ما يدعيه من قتل الأطفال بتمجيد فعل الجندي أحمد الدقامسة، والمساهمة في منع إقامة حفل مشروع ليلى المدان في أخلاق وفطرة أعضائه وأفكار أغانيهم، ولا أعتذر عن شيء من ذلك فأنا ابنة هذا المجتمع الذي نظر وما زال ينظر للصهاينة كأعداء، وما زال المطلب الأشهر من معظم السياسيين والاردنيين هو إلغاء ما يسمى باتفاقية السلام أو وادي عربة مع العدو بالرغم من تعاقب السنين التي لم تأت باختراقات في التطبيع الذي ظل محصورا على قلة قليلة.
ابنة هذا الشعب الذي يفرح بالعمليات الاستشهادية بل ويحييها في بيت الشعب من خلال السلطة التشريعية ومجلس النواب الذي يمثله، الذي يحتفي بكل ما تمثله المقاومة المشروعة للاحتلال من قيم عليا مقبولة دوليا وانسانيا.
ابنة هذا الشعب الذي تختلف مواقفه السياسية بين اليمين واليسار والوسط بحيث لا تكاد تلتقي على شيء كما تلتقي على فلسطين والقدس.
ابنة هذا الشعب الذي قد يعارض الحكومة وينتقد ولكن يبقى سقفه الوطن ومراعاة توازن المصالح وحفظ الأمن وإدامة الازدهار، ابنة هذا الشعب الذي ينظر لمليكه كخيمة تسع الجميع ولحكمته كصمام أمان في وجه النزاع والخلاف، ابنة هذا الوطن الذي رأى في الحركة الإسلامية رافعة نشأت معه منذ عهد الإمارة، فبادلها حبا بحب ووفاء بوفاء وتضحية بتضحية، وبالرغم من عظيم الضغوط ظل للأردن وجهه الأصيل وتجربته الفريدة مستقلا برأيه لا يتبع أحدا ولا يستنسخ أحدا.
بين الاتهام بالارهاب لعداء الكيان الصهيوني والصهاينة والرهاب من شذوذ ما غزا أمة أو وطنا في التاريخ إلا وجلب له الدمار، وما سدوم وعمورة وبومبي بمجهول تاريخها.
بعض الاتهامات تغدو نياشين فخار وعزة وبراءة وطهر؛ وهذه منها وفخورة أنا بحملها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى