(عبدالرحمن) .. قدوة حسنة / باجس القبيلات

(عبدالرحمن) .. قدوة حسنة

من أكثر الخلفاء الذين أبهروني في التاريخ الإسلامي، أمير المؤمنين (عبدالرحمن الناصر لدين الله) _ ثامن حكام الدولة الأموية في الأندلس، التي أسسها (عبدالرحمن الداخل) بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق _ فبفضل حنكته وحكمته استطاع من العام الأول لتوليه شؤون البلاد أن يحقق الانتصارات ويقضي على التجاوزات والتمردات والاختلاسات في كل أرجاء الدولة المضطربة شقاقا ونفاقا في ذلك الوقت مما جعلها تنتعش اقتصاديا وزراعيا وصناعيا .

خمسون عاما أمضاها الخليفة (عبدالرحمن) في إدارة شؤون البلاد ولم يفكر في سياسة الجباية وفرض الضرائب ورفع الأسعار بل كان على العكس من ذلك، وهذه الصفة استقيتها من القصة التالية : في نهاية عام 302 هـ، حلت مجاعة عظيمة بالأندلس استمرت للعام التالي فانتشر الوباء وعم الموت، حينئذ أبدى الخليفة حنكة في التعامل مع تلك الأزمة، فأوقف حملاته العسكرية في ذلك العام ووزع الصدقات والمؤن على الفقراء والمعوزين، فحذا حذوه الأمراء وكبار رجال الدولة فأخرجوا الصدقات للفقراء، مما ساهم في تخفيف وطأة المجاعة على الشعب إلى حد ما، وزاد من شعبيته بين أبناء شعبه .

حتى على صعيد النقد فقد كان (عبد الرحمن) يتلقى آراء الآخرين ببشاشة وصدر رحب، ولم يقيد حرية الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي والمسيرات والاعتصامات وخطباء المساجد، وأسوق مثلا على ذلك : وجه له القاضي (المنذر بن سعيد البلوطي) نقدًا لاذعا مبطنا تأذى منه (عبد الرحمن) من على المنبر في خطبة الجمعة لإسرافه في الإنفاق على بناء مدينة الزهراء، فأسر (عبد الرحمن) لابنه قائلا : «والله لقد تعمدني منذر بخطبته، وما عنى بها غيري، فأسرف علي وأفرط في تقريعي وتفزيعي، ولم يحسن السياسة في وعظي، فزعزع قلبي وكاد بعصاه يقرعني» ورغم ذلك لم يلجأ عبد الرحمن لعقاب القاضي أو مسه بأي صورة من الصور، وإنما أقلع عن الصلاة خلف (المنذر) بعدئذ .

إزاء تلك الظروف، بالتأكيد لم يقتني (عبدالرحمن) مركبة فارهة ولم يقطن فيلا شامخة ولم يكن طامعا في المال وساعيا إلى المجد لأنه؛ ترك تأريخًا وجد بعد وفاته بخط يده كتب فيه: «أيام السرور التي صفت لي دون تكدير في مدة سلطاني، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا» فعدت تلك الأيام فوجدت أربعة عشر يومًا، لذلك لا غرابة بأن أصبحت الأندلس مركزا للعالم الإسلامي وإحدى القوى العظمى في العالم في تلك الفترة، بحيث أصبحت دول أوروبا تخطب ودها بعدما تحسنت أحوال البلاد واقتصادها ووصلت إلى حالة من الاستقرار والأمن  .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى