ظاهرة المنافقين في المجتمع . . ! / موسى العدوان

ظاهرة المنافقين في المجتمع . . !

اللواء عمر المدني تقلد العديد من المناصب العسكرية والدبلوماسية في الأردن، وكان مقربا من القصر الملكي خلال أواسط القرن الماضي. يقول في كتابه بعنوان ( أوراق مطوية في كتاب الزمن ) ما يلي وأقتبس :

” في جلسة خاصة مع الشريف حسين بن ناصر قلت له : سيدي حسين . . القول المشهور بأهل العراق، بأنهم أهل الكفر والنفاق، والآن مضى على سيادتك في الأردن أكثر من سبع سنوات، فكيف وجدت الأردنيين بالنسبة لهذا القول ؟ قال : يا ابني والله أن العراقيين ما بيطلعوا تلاميذ في مدرسة نفاق الأردنيين.

في جلسة لدى حضرة صاحب الجلالة الملك حسين كان فيها رئس الديوان الملكي بهجت التلهوني وخاله الشريف ناصر بن جميل روى التلهوني أمام جلالته الملك قصة ليست من الصحة في شيء، وحدث أنني أقف على تفاصيل هذه القصة وأعرف أشخاصها. ولما ترك الملك المجلس قلت : ” يا ابو عدنان . . . . تخبر سيدنا قصة لا أساس لها من الصحة ؟ فقال : أنت شو بعرفك، أنا أريد أن أقص على سيدنا كل شيء يفرحه وليس أي شيء يعكر مزاجه، فأنا رئيس ديوان جلالته وهذا واجبي. اسمع سأحكي لك القصة التالية:

مقالات ذات صلة

كان السلطان العثماني عبد الحميد يجلس إلى طاولة العشاء ومعه أعضاء الحاشية السلطانية، ومن بينهم شيخ الإسلام وطبيب جلالته ومستشاره الخاص. وكان الطعام منزّلة باذنجان. كان الباذنجان من النوع الجيد ( اللي ما فيه بزر وطعمه حلو ) فارتاح السلطان إلى هذه الأكلة وقال : والله هذا شيء لذيذ. فقال شيخ الإسلام : يا مولاي إن هذا طعام أهل الجنة، وقال الطبيب الخاص : يا مولاي لا يوجد خضرة خلقها الله وفيها جميع الفوائد الجسمانية مثل الباذنجان، كما أن مستشار السلطان أثنى على الباذنجان.

وبعد عام من ذلك كان نفس أعضاء الحاشية مع السلطان يتناولون طعام العشاء، وكان الطبق الرئيسي منزّلة الباذنجان، وعلى ما يظهر أن الباذنجان كان مليئا بالبزر وطعمه فيه مرار. فانزعج السلطان من الطعام وقال للسفرجي ( شو هذا ؟ ). فانبرى شيخ الإسلام وقال : يا سيدي طعام أهل جهنم هو الباذنجان، وتبعه الطبيب الخاص فقال : يا سيدي إن الخضرة الوحيدة التي ليس فيها فوائد هي الباذنجان، وفعل الذمّ بالباذنجان أيضا المستشار الخاص.

فالتفت السلطان إليهم وقال : في السنة الماضية كان نفس الطعام وقد أسهبتم جميعكم في مدحه، فكيف حدث أن انقلبتم جميعكم عليه، وكلتم له الذّم بعد المدح الطويل ؟ فقالوا بلسان واحد : مولانا نحن وزراء السلطان ولسنا وزراء الباذنجان. هل فهمت يا سيدي ؟ ” انتهى الاقتباس.

وفي رواية أخرى : يُقال بأن أحد الخلفاء ذهب في رحلة صيد برّية، فرمى بسهمه أحد الطيور ولم يصبه، فقال له وزيره المرافق : أحسنت يا سيدي، فالتفت إليه الخليفة غاضبا وقال : أتسخر مني وتهزأ بي لأنني لم أصب الطير ؟ فرد عليه الوزير بمكر ودهاء : يا سيدي الخليفة، لقد أحسنت إلى الطير بأنك لم تقتله بل منحته حياة جديدة.

* * *

التعليق :
• يقصد بالنفاق أن يُظهر المنافق لرئيسه أو للآخرين، غير ما يبطن بعيدا عن الحقيقة، وبما يتفق مع مصلحته الشخصية. ومع الأسف فقد أصبح النفاق هذه الأيام ظاهرة اجتماعية عامة نلمسها في حياتنا اليومية. وإن دلت على شيء فإنما تدل على انحلال الأخلاق والقيم والمبادئ.
• ونظرا لسوء هذه الظاهرة فقد خص الله تعالى المنافقين بسورة كاملة في القرآن الكريم. كما جاء في سورة التوبة أيضا : ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) صدق الله العظيم.
• فهل يمكن للمنافقين والمنافقات الذين لا يخطئ الأردنيون في تمييزهم، أن يكفوا عن أساليبهم المبتذلة، وأن يتبعوا الصدق والقيم الحضارية المقْنِعة فيما يقولون وما يفعلون ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى