ضانا والنزاع الأخير

ضانا والنزاع الأخير
بقلم: د.فلاح العُريني

#ضانا #قرية وادعة ترقد في الجزء الجنوبي من هذا الوطن المنهوب، وتحديدا في #محافظة #الطفيلة الغني باطنها والفقير ظاهرها، وفي جنوبها حيث لواء بصيرا القابع على تخوم الفقر والتهميش، وتجاورها بالتلاصق بلدة القادسية التي استوعبت غبار شركة لافارج فدوى لعيونك يا أردن دون مقابل..
هذه القرية تعرضت لاحتلال غاشم في نظري من قبل الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، ودخلها المتنفذون تحت عنوان حماية البيئة من الجور السكاني كما دخلت القوات الروسية سورية لحماية الأقلية العَلَوية..
تم استعمار قرية ضانا سنة ١٩٨٩، بقيادة متنفذين نعرف بعضهم ونجهل البعض الآخر، وتكالبوا على ضانا كما تكالب العدوان الثلاثيني على العراق سنة ١٩٩١.
ليس هذا فحسب..
بل دخلها الفاتحون بوعود من نور، تتمثل بتطوير المنطقة وتوفير فرص العمل لأهلها الطيبين، وتقييم الأثر البيئي فيها وذلك من خلال إيجاد مراعي بديلة لأصحاب المنطقة وأهلها الذين يعتاشون في أغلبهم على تربية المواشي، فكانت وعودهم مماثلة بالوعود الحكومية بالدشداش الأبيض والشماغ الأردني في حال وقعنا إتفاقية السلام المزعومة مع العدو الغاشم، لقد وُقِّعَت الاتفاقية ووَقَعَت الوعود.
ما عاد هناك شيء على الخارطة العالمية اسمه قرية ضانا بل تم استبدالها بمحمية ضانا، وهذا الأمر يذكرني بتعامل جوجل مع خريطة فلسطين العربية..
ماذا بعد هذا الاحتلال..
تم إرهاق محمية ضانا وأصبح علية القوم في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة يتوافدون على دول العالم وتحت مسمى المياومات وعلى حساب محمية ضانا، وأصبح لحم الغزال مذاقهم، وأصبحت الأموال المتأتية من المحمية معروفة المصدر مجهولة المصب، كحال نهر النيل اليوم، حيث ينبع من هضبة فكتوريا في الحبشة ولكن ما عاد فرعا دمياط والرشيد يصبان في البحر الابيض المتوسط..
فساد واضح من قبل حكومة الاحتلال المتمثلة بالجمعية العلمية الملكية لاحتلال ضانا..
اليوم يخرج إلينا وعلينا رواد الجمعية الملكية بلسان حاد ظاهره خير الطفيلة وباطنه حماية الجيوب والنفوذ والمناصب، وذلك من خلال المحافظة على محمية ضانا كمصدر وحيد لملء البطون وعلى حساب أبناء المنطقة وكأن الله خلقهم من تراب وخلق أبناء الطفيلة من قطران..
وعليه فإن الطفيلة وأهلها يرفضون أي ولاية أو وصاية عليهم من قبل شخوص يزعمون حبهم لجمال الطفيلة وهوائها الذي كان عليلا، رغم أنهم لا يعرفون من الطفيلة إلا برج ضانا ولحم الغزلان وماء لحظة قبل تلويثه من قبل شركة لافارج صاحبة النفوذ الصاخب وعلى حساب صحة أهلنا في هذه المحافظة الباكية..
إن التغني بهذه المحافظة الجريحة من قبل أناس لا يعرفون قساوة الطفيلة وصبرها ووقارها، أمر ما عاد من الشيم العربية، وليعلم الجميع أن الطفيلة فيها من هو مؤتمن عليها وعلى أهلها ولسنا بحاجة لاستيراد متباكين أو استقطاب أبطال من كرتون أو التعاقد مع حماة لهذه المحافظة..
ثم ماذا يا أبناء وطني؟؟
كما رفضنا احتلال الجمعية الملكية لحماية الطبيعة وما زلنا نرفضه ونركله للأسباب سالفة الذكر فإننا أيضا نرفض الاستعمار كاملاً وليس تبديل وجه المستعمر، فليس مطلبنا التحرر من ظلم الجمعية الملكية والدخول تحت نيران الاستثمار النحاسي المشبوه، فحال ضانا أصبح أنموذجا لحال الأمة العربية التي خرجت من تحت الحكم العثماني لتدخل من جديد تحت الحكم الإنجليزي والفرنسي والإيطالي وبمباركة عربية مقيتة..
وقبل أن أحدثكم عن أسباب رفضنا للاستثمار المشبوه دعوني أخبركم ببعض الشبهات على الأرض وهي الآتي:
الشبهة الأولى: إن كانت ضانا تتبع جغرافيا لمحافظة الطفيلة وضمن أحواض أراضي لواء بصيرا إلا أن محمية ضانا تتماشقها إداريا ثلاث محافظات وهي: الكرك والطفيلة والعقبة.
الشبهة الثانية: أراضي ضانا مسجلة على سبيل التخصيص باسم الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، وهذه الجمعية ليست حكومية ويمكن تسميتها -اجتهادا- جمعية خاصة أو شبه رسمية، يُنتخب أعضاؤها بالتصويت عليهم من قبل الهيئة العامة..
الشبهة الثالثة: الهيئة الإدارية في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ليس منهم أي ممثل للمجتمع في ضانا لا انتخابا ولا على نظام الكوتا وهو المطلوب.
الشبهة الرابعة: تم قبل سنوات التنقيب عن النحاس في محمية ضانا ضمن مساحة قدرها ٦٠ كيلو مترا مربعا من قبل شركة المناصير، وخرجت التوصيات بتعتيم كامل واكتفت بالقول أن الكميات ليست ذات جدوى اقتصادية، واليوم نتفاجأ بأن الحكومة قد خاطبت وزارة البيئة لإعادة ترسيم حدود ١٠٧ كيلو مترات مربعة من أراضي محمية ضانا، والخطورة أن هذه المساحة ليست ضمن منطقة الـ ٦٠ كيلو مترا مربعا والتي تمت دراستها من قبل شركة المناصير، أضف إلى ذلك أن المنطقة المقتطعة لم يحدث أن تم عليها أي دراسة حتى تاريخه.
الشبهة الخامسة: يجري الآن وعلى قدم وساق الترويج للاستثمار في محمية ضانا من خلال تعدين النحاس وكسب رأي عام داعم من خلال بعض المقالات التي تتحدث عن رفض الكيان الغاصب لاستخراج النحاس حتى يتكون لدينا ردة فعل معاكسة لهذا الرأي، اضف إلى ذلك الترويج إلى منشورات رقمية مضللة تتحدث عن كميات النحاس بالأطنان والربح بالمليارات وفرص العمل بالآلاف، وكل ذلك لم نسمع به من قبل، علما بأن هذه الأرقام جوفاء ومغلوطة لأنها لا تستند لمعلومات إحصائية دقيقة ومنبثقة عن دراسة حقيقية للمنطقة..
والمؤسف جدا أن البعض يروج ويشجع للاستثمار في النحاس في محمية ضانا إما جهلا بالأمر أو اندفاعه الوطني للنهوض بالاقتصاد وتحريك عجلته، أو كما تفعل بعض الجهات الرسمية بالترويج والتشجيع على الاستثمار
بطلب أعلى متجاهلين الأمانة الوطنية التي تجسدت في روح وجسد كل أردني حر شريف..
وبعد ذلك فإننا نرفض فكرة الاستثمار للأسباب التالية:
أولاً: بحكم تخصصي ماقبل القانون -علم الجيولوجيا والمعادن- فإن معظم الصخور الرسوبية في منطقة محمية ضانا تقع ضمن تكوين أم عشرين (UmIshreen Formation ) وهذا التكوين الصخري يخلو تماما من أي مواد معدنية متبلورة (mineral crystallization)، وهذه طبيعة جيولوجية أغلب مناطق ضانا باستثناء تكوين خريم (khoraim Formation)، وخربة النحاس وفينان، وهذا القول أعتقد يتوافق مع معطيات المناصير حول التنقيب في الـ٦٠ كيلو مترا سالفة الذكر..
حسب هذه المعلومات البسيطة والتي أرى جديتها فإن استخراج النحاس سيكون وبالاً على الاقتصاد الوطني إذا ما صدقت توقعاتنا، وسيصبح حاله حال الكثير من المشاريع المتعثرة أو حتى المشاريع التي لم ولن ترى النور..
ثانياً: استخراج النحاس سيكون له أثرا بيئيا على المنطقة برمتها، وهذه تعتبر كارثة صحية لا يمكن تجاهلها أو السكوت عليها، وإن القول بأن هنالك دراسات حول تقييم الأثر البيئي، فهذه الدراسات ناقضة لعهدها، فقد جربنا ذلك في مشروع طاقة الرياح وها نحن اليوم نكتوي بنيران الغبار والإزعاج دون تحريك ساكن من الجهات المختصة وسط تخاذل من أصحاب العلاقة أنفسهم، ومن قبل كانت تجربتنا وما زالت مع شركة لافارج التي قتلت فينا روح الحياة دون مبالاة ولا اهتمام بصحة المواطن، فالأرض ملوثة والمياه ملوثة وعين لحظة شاهدة على ذلك، وأصبحت الحياة في جوار شركة إسمنت لافارج مغامرة وانتحار، كل ذلك سبقه تقييماً للأثر البيئي، حتى الجمعية الملكية لحماية الطبيعة التي ترفض الاستثمار بحجة الأثر البيئي الخطير كانت وما زالت متواطئة مع شركة أسمنت لافارج وترى بعينها انهيار الحياة الصحية دون أدنى مسؤولية أخلاقية، لذلك كل ما جاء على لسان أفراد الجمعية سالفة الذكر حقا يراد به باطل، فهم لا يعرفون من الطفيلة إلا موارد المحمية ودريهماتها.
ثالثاً: يتحدث البعض عن إيجاد وخلق فرص عمل لأبناء المنطقة، والله ما هذا الحديث الا كفرٌ وإلحاد، فلا يلدغ المرء من الجحر مرتين، فكيف تريدوننا أن نستقبل اللدغة الثالثة، فقد سمعنا ذلك من طاقة الرياح وشركة لافارج، بربكم أخبروني أين هي الأيدي العاملة من أبناء المنطقة في هاتين الشركتين؟
طاقة الرياح دمرت الأرض وعاثت فيها فسادا وخرابا على مرأى من أهلها الأصليين وكأنها دولة احتلال اجتاحت أراضي الطفيلة برمتها، وها هي شركة لافارج باتت أخطر من فيروس كورونا اللعين، بل أشد وأطغى، وكل ذلك وشبابنا يعانون البطالة والفقر والاضطهاد وربوع دابوق ودير غبار تنعم بإذلالنا، وللأسف كل ذلك يزيدنا تطبيلا وتسحيجا مقابل دريهمات معدودة أو عباءة صلاحيتها أقصر من صلاحية علبة سردين في بقالتي..
رابعاً: نحن لا نعلم من المستثمر ومن المستفيد ومن المشرف وأين ستذهب هذه الأموال إن صحت قراءات الحكومة حول مخرجات هذا الاستثمار، ولا يوجد أي ضمانة وطنية بجعل الاستثمار وطنيا وعدم خصخصته كحال أخواتها من الشركات..
فنحاس ضانا لا يملك حصانة دبلوماسية ضد البيع والسلب والنهب، فليس من المنطق استخراج النحاس ونحن نرى كيف المستخرَج من الفوسفات والبوتاس طي النهب والسلب.
خامساً: وهذه النقطة الشيطانية..
بناءً على الفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة الأردنية، وعجر الدولة عن وقفه وكبح جماحه، وبناءً على ازدياد النفوذ لأشخاص أصبحوا خنجرا مسموما في خاصرة الوطن، وزيادة نهب المال العام وانعدام المصداقية في إدارة موارد البلد، وضعف الحكومات المتعاقبة، فإنني أرى وبحق والله، بأن المصلحة الوطنية تتطلب حفظ مقدرات الوطن في ترابه وعدم استخراجه لوجود أنفس رديئة يسيل لعابها عند كل دينار أردني، وهذا أمام ضعف الحكومة وتخاذلها..
وإنني أقول وبحق أن الحكومة الأردنية غير مؤتمنة على مقدرات الوطن وأموال الشعب وليست محل ثقة لدى المواطن الأردني، ولا يمكن أن تحضى بأبسط درجات الشعبية، وليست صاحبة ولاية ضمن اختصاصها، وعليه فلتبقى خيرات الوطن في باطنه حتى يخرج الله من أصلاب الحكومات المتعاقبة من يوحد الله ويتقي الله في هذا الوطن، وأقول أصلابهم لأن المناصب والمكاسب بالتوارث، أما أصلابنا فسيخرج منها الجندي الوفي والمزارع النقي والمعلم التقي..
سادساً: إن كانت الحكومة جادة في الاستثمار، بامكانها الاستثمار في المشاريع البيئية عن طريق الجمعية الملكية وفتح فرص عمل للمجتمع المحلي وهذا ما لم يحصل طيلة ثلاثون عاماً.
وفي الختام اوجه صرختي إلى ابناء هذا الوطن بأن الطفيلة اصبحت بمحميتها وثرواتها فريسة تتناهشها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة من جهة واباطرة الاستثمار من جهة أخرى، دون ادنى مسؤولية او حس وطني.
هذا قولي لكم وأشهد الله على وطنيتي وانتمائي لهذا التراب، لعلي ألقى ربي بعين الرضا..
د.فلاح العريني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى