صناعة الحزن
.. غريب هذا الإنسان .. في سرّ تكوينه و عالمه .. في عقله و تفكيره .. و في عالمه الجوّاني .. بما يعتمل فيه من عواطف و أحاسيس .. إنه مازال عالماً مجهولاً ، و اذا كان الانسان قد سَبَرَ أعماق المحيطات و صعد إلى أعالي الفضاء .. فمازال الانسان ذلك المجهول ..
في النفس البشرية أخلاط مشاعر و أفكار منها المؤتلف و منها المتصارع المختلف .
و من عالمه الداخلي و تفاعلاته مع العالم
الخارجي تتشكّل ملامح شخصيته ..
و دون الايغال في مباحث وعلوم الانسان
فإنني لأعجب كيف تجد أناساً قد أغمضوا أعينهم عن كل جميل في الحياة .. و نظروا
بنظرتهم السوداء .. فلم يطربوا لصوت جميل تهتز له الأغصان و القلوب ، أصمّوا
آذانهم عن صوت الطبيعة حين تنشد ..
بخرير مائها و شدو أطيارها و حفيف
أشجارها .. أصمّوا آذانهم عن أناشيد الفرح
و أغمضوا أعينهم عن رؤية مباهج الطبيعة
و زينتها .. عن أزهارها و ورودها .. عن تناغم ألوانها .. عن جمال الخلق فيها
من حيوانها و انسها .. لم يشدّهم وجه
صبوح .. أخذ من البدر نوره .. و من الليل
تجلل بسواد شعره ..
هؤلاء ، غادروا مباهج الدنيا و محطات الفرح فيها .. و ضربوا صفحاً عن كل ما جميل .. و راحوا يجترّون أحزاناً ، و
آلاماً ، و راحوا يتلذذون بالعيش في زوايا
الكآبة و الحياة البائسة .. إن لم يجدوا
حزناً اخترعوه و اغرقوا أنفسهم بسوداويّة
.. و المؤسف ، أنهم يُلبِسون ذلك أثواب
الزهد و التّقوى… و كأنما السعادة إثم ..
و كأن الابتسامة فحش .. و كأنما الفرح
فسوق ..!!
هذا الصنف من الناس تعجّل الموت قبل أوانه .. و أغرق نفسه و أثقل عليها ..
إن حدّثته عن سرور .. بطرفة او نادرة
لم يكترث .. و بخل بابتسامة .. جلالا
و مهابه .. مصطنعة !
هؤلاء هم العاجزون الذين حرموا أنفسهم
جمال الحياة .. و حسن التماهي معها بطاقة ايجابية .. لم يعرفوا طعم الفرح .. لم يعرفوا حلاوة الحب .. إنهم الماهرون بصناعة الحزن ..