صناعة الحزن / احمد المثاني

صناعة الحزن

.. غريب هذا الإنسان .. في سرّ تكوينه و عالمه .. في عقله و تفكيره .. و في عالمه الجوّاني .. بما يعتمل فيه من عواطف و أحاسيس .. إنه مازال عالماً مجهولاً ، و اذا كان الانسان قد سَبَرَ أعماق المحيطات و صعد إلى أعالي الفضاء .. فمازال الانسان ذلك المجهول ..
في النفس البشرية أخلاط مشاعر و أفكار منها المؤتلف و منها المتصارع المختلف .
و من عالمه الداخلي و تفاعلاته مع العالم
الخارجي تتشكّل ملامح شخصيته ..
و دون الايغال في مباحث وعلوم الانسان
فإنني لأعجب كيف تجد أناساً قد أغمضوا أعينهم عن كل جميل في الحياة .. و نظروا
بنظرتهم السوداء .. فلم يطربوا لصوت جميل تهتز له الأغصان و القلوب ، أصمّوا
آذانهم عن صوت الطبيعة حين تنشد ..
بخرير مائها و شدو أطيارها و حفيف
أشجارها .. أصمّوا آذانهم عن أناشيد الفرح
و أغمضوا أعينهم عن رؤية مباهج الطبيعة
و زينتها .. عن أزهارها و ورودها .. عن تناغم ألوانها .. عن جمال الخلق فيها
من حيوانها و انسها .. لم يشدّهم وجه
صبوح .. أخذ من البدر نوره .. و من الليل
تجلل بسواد شعره ..
هؤلاء ، غادروا مباهج الدنيا و محطات الفرح فيها .. و ضربوا صفحاً عن كل ما جميل .. و راحوا يجترّون أحزاناً ، و
آلاماً ، و راحوا يتلذذون بالعيش في زوايا
الكآبة و الحياة البائسة .. إن لم يجدوا
حزناً اخترعوه و اغرقوا أنفسهم بسوداويّة
.. و المؤسف ، أنهم يُلبِسون ذلك أثواب
الزهد و التّقوى… و كأنما السعادة إثم ..
و كأن الابتسامة فحش .. و كأنما الفرح
فسوق ..!!
هذا الصنف من الناس تعجّل الموت قبل أوانه .. و أغرق نفسه و أثقل عليها ..
إن حدّثته عن سرور .. بطرفة او نادرة
لم يكترث .. و بخل بابتسامة .. جلالا
و مهابه .. مصطنعة !
هؤلاء هم العاجزون الذين حرموا أنفسهم
جمال الحياة .. و حسن التماهي معها بطاقة ايجابية .. لم يعرفوا طعم الفرح .. لم يعرفوا حلاوة الحب .. إنهم الماهرون بصناعة الحزن ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى