صناعة التطرف والفوضى / أ.د. محمد خازر المجالي

صناعة التطرف والفوضى
أ.د. محمد خازر المجالي

تحدث كثيرون عن الأزمة التي يمر بها الأردن حاليا، وبأبعادها السياسية والاقتصادية، ويركز معظم المحللين والمحتجين في آن واحد على التأثيرات المباشرة للأزمة، وهي بلا شك خطيرة تعصف بالكيان من أساسه، وربما التركيز عليها لاعتبار الأهم فالمهم فالأقل أهمية، ولكنني معنيٌّ هنا في التنبيه على الجوانب التي أحسبها مهمة، حتى تؤخَذ بالحسبان، وتُضم إلى غيرها من المخاطر، والمسؤول عنها الجميع، المسؤول المباشر والمواطن والأب والزوج والموظف، لأن الخلل إذا نشأ في زاوية، ولم يتم إصلاحه، فإنه مع مرور الزمن يعم، تماما كما الشرارة الصغيرة في زاوية بعيدة، فإنها ستمتد وتحرق الجميع، وكذا الثقب في سفينة كبيرة، سيسبب الغرق للسفينة كلها، ولا ينفع حينئذ ندم ولا أسف.

لا شك أن المخاطر والمهددات للوطن كثيرة، ضغوطات سياسية عالمية وإقليمية، وتخلص من التزامات قومية وأخلاقية بخصوص القضية الفلسطينية، وتغيير في المزاج العربي يراد فرضه على شعوب لتتقبله رغم أنفها، تطبيعا مع عدو وتعزيزا لمصالحه وهيمنته، وانعتاقا من الثوابت والحقوق، ومتاجرة بمقدسات هي تحت مسؤولية الأردن خصوصا. ندرك أن هناك تهميشا للأردن، وربما هناك سعي لتقويض بنيانه كله، ولكن الذي يدهش الأردنيين هو حجم الفساد العريض، والتقصير الشديد في معالجته حتى استفحل، فاتسع الخرق على الراقع، فنرى الركود الاقتصادي، وارتفاع البطالة، وهروب رؤوس الأموال، وزيادة المديونية، وتعميق اليأس لدى الشباب على وجه التحديد. والناس في عمومهم يعرفون هذه الحقائق، ويعرفون مسالك الفساد وسادته ومروجيه ورعاته، يتمتمون تارة، ويصرحون أخرى، وهم لا يلامون لهول ما يشاهدون ويسمعون.

أركز هنا على الجانبين: الاجتماعي والأخلاقي على وجه التحديد، وما قد ينتج عنهما، وهما مترابطان، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، منذرا من استفحال المشكلة، لأنها تمتد وتؤذي، وستعرّض المجتمع كله للخطر، بل ربما تستجلب غضب الله تعالى، لأنها مدعاة إلى الذنوب الكبيرة، وكل هؤلاء مسؤولون عن انتشارها.

سيزداد الفقر وتبعاته، والفقر في ذاته ليس عيبا، ولكن مع قلة الوازع الداخلي، دينيا أو ضميرا أو تقاليد، فإنه سيؤدي إلى كوارث، سيؤدي إلى السعي لجمع المال بأية وسيلة، وربما يفتي بعضهم ليقول: الضرورات تبيح المحظورات، وهنا نفتح الباب لكثير من التصرفات المحرمة شرعا، والمرفوضة قيميا وأخلاقيا، وعادات وتقاليد.

حدثني ثقات، منذ فترة ليست بالقليلة، أن بعض الفتيات في بعض الجامعات تبيع شرفها من أجل بطاقة رصيد للجوال، أو لتأمين مصاريف الدراسة، والأهل لا يسألون لأن الأولويات عندهم مختلفة، ولذلك لا يجرؤ أن يسألها أو يحاسبها، لأنه لا يستطيع توفير متطلباتها، خاصة إن كان الحمل ثقيلا.
من قال إن قرية ما، دون تسميتها، وأهلها محافظون، أن ينتحر فيها اثنان في أسبوع واحد!؟ كنا نحدث طلبتنا عن الانتحار في الغرب، وإذا به في بلادنا، ولعله أصبح ظاهرة، بغض النظر عن دوافعه، لكن أهمها اقتصادي، بطريقة مباشرة هروبا من المسؤوليات، أو بطريقة غير مباشرة نتيجة عارٍ ما نتج عن أسباب في أصلها أخلاقية.

وانظروا إلى ظاهرة الطلاق كيف تزداد، وكيف تتفكك الأسر نتيجة لها، وكذا ضياع الأبناء والبنات، وهم بدورهم سيكونون سلبيين في مجتمعهم نتيجة ما حصل لهم من ضياع، وأسباب ذلك يرجع بعضها إلى المشكلة الاقتصادية، وعدم القدرة على تحمل الأعباء.

ولماذا تجرأ بعض كثيرون على الرشوة، وقد كنا نتغنى بعزة الأردنيين وإبائهم في هذا الشأن، مقارنة بدول أخرى، واليوم هو حديث كثيرين عن شيوع هذه الظاهرة السلبية، خاصة مع ضيوف الأردن، بل مع المواطن الأردني نفسه لتسهيل معاملاته.

ولماذا تزداد السرقة، ويتجرأ اللصوص على اقتحام البيوت، وقد تابعنا جميعا كيف أنه بعد رفع أسعار الخبز مباشرة، ازدادت السرقة بأنواعها، بل تم اقتحام بنوك، وهذا لم يكن يوما ما في قاموس حياتنا في الأردن.

ومع ازدياد تكاليف الزواج وارتفاع الإيجارات، قل الإقبال على الزواج، وازدادت العنوسة، وهذا منذر بانحراف أخلاقي مقيت، حيث الفاحشة، والخيانة الزوجية، وشيوع الانحلال الأخلاقي عموما، وهذا دمار للمجتمع في أسسه وبنيانه.

وحين يكثر الفراغ في حياة الشباب تحديدا، فهي فرصة للوقوع فريسة بأيدي أصحاب مصالح فاسدة، كمروجي المخدرات، وهذا الأمر يزداد يوما بعد يوم، كنا نسمع أن الأردن ممر لا مقر لهذه الآفة، والآن هي ظاهرة حتى في المدارس، فضلا عن الجامعات والمقاهي، عند الفقراء والأغنياء على حد سواء، أما الغني فيجد المال لجلبها، فماذا عن الفقير؟ هو بحاجة للمال ليشتري، لأنه أدمن، هنا لا بد من تحصيل المال بأي شكل، ولو بالسرقة، بل بالقتل، وهذا ما حدث، فاعتدى شاب على أمه وفصل رأسها عن جسدها، وهكذا.

وهناك الأمراض النفسية الناتجة عن مثل هذا الضيق، ولعل هذا هو الأخطر، المنذر بالضياع الحقيقي، واحتمالية الجريمة بشتى أنواعها، ومنها القتل.

أما علم هؤلاء أن أحد أسباب التطرف والإرهاب هو هذا الذي نتحدث عنه، حين يصل الشاب إلى طريق مسدود، حين يرى المفسدين يرتعون في طول البلاد وعرضها ولا يوجد من يردعهم، بل هناك من يسهّل أمرهم، وحين يرى المجتمعَ ينقسم إلى طبقات، وربما مع مرور الزمن يصبح سادة وعبيدا، وحين يرى عجز الدولة عن تأمين متطلبات العيش الكريم للمواطن، وحين تغيب القيم ويختلط الحابل بالنابل، هنا يجنح بعض الشباب إلى العنف، وتحصيل حقه بنفسه، وتنتشر العصبية والكراهية، ويكون الاعتداد بالعشيرة والقومية، وهكذا يتفكك المجتمع ويتهدد من داخله، ويحل الخوف مكان الأمن، والفوضى مكان الاستقرار، والعنف مكان التسامح والاحترام، ولعل هذا مراد بعض أعدائنا، ولا تنتبه له أعين المسؤولين لأن غشاوة ما قد أعمت أعينهم فلا يرون إلا مصالحهم، وما علم هؤلاء أن الغرق أو الحريق سيشملنا جميعا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى