صمت مبحوح / منصور ضيف الله

صمت مبحوح
المدرسة بعيدة ، تتعلق الافق الناتئ في طرف السماء ، روادها من البدو الخلص ، سمر الوجوه ، نحاف البنية ، تتكلم عيونهم قبل افواههم ، هادئون ، فان نطقوا بهمس يصل حد الخجل ، لكنهم ذئاب ، مخاليبهم قاسية ان شعروا بضيم ، يمنحون ثقتهم مرة ، فان وهبوا اعطوا ، وان داخلهم ريب غادروا بلا عودة .

تتعلق العيون اللامعة الصغيرة بالمدرس العمّاني ، وينطلق الحديث عن لغة العرب ، عن جمالها وقلقها الاخاذ الذكي . يسألني احدهم : ماذا تعمل ؟ خطيب في مسجد قصي ! ويضج التلامذة بصمت مبحوح .

يزفر اللقاء انفاسه الاخيرة ، يجتاحني شعور بان هذا لقائي الاول والاخير . أريد ان أسألكم عن مصروفكم المدرسي ؟ من يأخذ دينار ؟ يعتري الوجوم الجميع ، وتتقلب الوجوه البريئة ، ولا يد تلوح . من يأخذ خمسة وسبعين قرشا ؟ يعم الصمت والعتاب . من يأخذ نصف دينار ؟ ترتفع اياد راجفة تكاد تفر خارج الغرفة . أما الجمهور فربع دينار او لا شيء .

الفقر حالة مستديمة والرجال اما متقاعدون او سائقون او نواطير . لم يعرفوني ، ولن يعرفوني ، على الارجح ساغادرهم بضعفهم الدراسي ، وفقرهم ، وكرامتهم .

مقالات ذات صلة

استنشق هواء نقيا ، واطلق النظر في اراض تموت عطشا واهمالا ، واسافر الى شوارع عمان ، وسياراتها ، ونسائها .

يقرع الهاتف : غيروا قرارهم يا منصور ، من غد ستغادر اطراف ‘الدني” الى قلبها ، وسيكون امتحانك عسيرا ، فلكل مرحلة ظروفها ورجالها .
مساؤكم بنكهة البدو ، واخلاصهم ، وصبرهم .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى