“صراع الكلاسيكو” / نورس قطيش

“صراع الكلاسيكو”

يحدّثني صديقي مطمئنًا: بفضلهم لن أتوجّس همّ صحتي التي سرعان ما تتدهور بعد خسارة “الريال”، فما إن يحدث مكروه، عاجلاً أطلب إسعافهم لتأتي الطائرة وتقلني لمستشفاهم الخاصّة للعلاج، وهذا حال جميع المشجّعين في العالم الثالث.
صديقي الآخر: ما أخسره جرّاء خسارة “البرشا” من تكسير لأواني المطبخ وشاشة التلفاز ونوافذ البيت، يتم تعويضه من قبل النادي بكبسة زر واحدة، فتأمينهم شمل كلّ شئ حتى أرواحنا، فقط لسكان القارّة الثالثة.
لم يكن يوماً التشجيع الرياضيّ بهذا الشكل، ما نعانيه حقاًّ اليوم هو أزمة الكلاسيكو على مستوى البلاد، فهذان الفريقان لهما أكثر من نصيب الله في قلب معظم مشجّعيهم في عالمنا الثالث.
ما أن تحدث مباراة لهم أو أحدهم، تتوقّف الحياة، يخيّم الصمت، يتعالى الصراخ تارة، وتنهال الشتائم مرّة، وأخرى يتطاير البصاق نحو الشاشات !
يستعدّ الخصوم بعد المباراة لمعركة التناحر وحسم النتيجة بالشتم والتكسير، تقاس نتيجة التشجيع بمقدار الحرقة وغليان الدورة الدموية على الفريق، فسنام التشجيع شهادة أن لا فريق غيره ولا موت إلا في سبيله، الموت من أجله أعظم شهادة؛ كأن يفطس أحدهم منجلطاً بعد الخسارة، أو ينسدّ قلب آخر جرّاء نوبة قهقهة بالفوز أثناء “مجاكرة” صديقه الخصم !
ازدياد الوتيرة التشجيعيّة للفريقين، وتعاظم أعداد المشجّعين لهم، يعود لسبب بسيط بأننا كائنات تعيش على التعادي والتنازع، فأجزم بأن ٩٩.٩٪‏ ممن يشاهدون مباريات الفريقين فقط إحماءً لمعركة التشاحن بعد نهاية المباراة.
ما ألحظه بكلّ أسف، الحبّ منقطع النظير للفريقين، فمعظمهم فارغ قلبه من كلّ شئ إلا من إحداهم. يأخذ الفريق الأولويّة القصوى في حياته، يناحر أخيه ويشتم أبيه مقابل المحافظة على وسام الشرف للتشجيع، ناهيك عن جائزة سيف البسالة في التكسير والتخريب للمشجّع الأشرس !
بفضل هؤلاء من أبناء جلدتنا، انقسمنا لمعسكرين كبيرين في العالم الثالث: البرشا والريال، ناهيك عن الانقسامات الشعبية والطائفية والسياسية التي يحاول الغرب إشغالنا بها وتقديمها كوجبة مغرية للتلذذ بها كما يحصل بين المعسكرين الأكبر من معارك، الذين استطاعوا بجهل من بين ظهرانينا قيادهم نحو الجرف المتهاوي، يزداد الصدع بيننا بعد كلّ مباراة، ونغورّ بذلك سفولا.
لا تحدّثونا عن سخافة التشجيع الشعبية للفرق المحلية من مبدأ التعالي والنرجسيّة وأنتم تفعلون العجب العجاب للكسب، على قاعدة: كلّ شئ مباح في الحرب ! نعم إنها حرب، لم العجب ولم يعد ذا الحرم رجب !
لست ضدّ التشجيع، ولا أساوم على تشجيعكم للفرق الإسبانية لأنني لا أشجع أيّ منهما ولن أشجع يوماً بتلك الطريقة، لكن من السلامة لكم أن تكفّوا عن هذا النمط من التشجيع غير الإيجابي لأيّ فريق يكن، لضمان الوحدة وتعزيز الجوامع بدلاً من تعظيم الفوارق.
أليس لكم فيهم عبرة حسنة؛ بعد اللعب يتصافحون بطيب النفوس، ومن بيننا يتناطحون بكسر الرؤوس !
الكسب الصحيح يكون بالرقيّ والنهضة ورعاية التربية السليمة، وأن تكون التنشئة على الوسطية وعدم المغالاة والتطرّف كما رسالة الأديان السماوية وأخلاق الأنبياء والرسل المبتعثون لتعظيمها وأتممة الأخلاق.
بالحفاظ على نهج الوسطية والإعتدال في حياتنا تكن مجابهة التطرّف الحاصل والمتنامي حولنا وبيننا، خشية أن نندب الحال ونشتم المحال بعد فوات الأوان، فالمحال ما تحول له الأحوال.
حافظوا على صحتكم بإيديكم، بدلاً من أن تقعدوا ملومين محسورين بعد انتهاء فترة صلاحية تأمين التشجيع !

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى