صحيح.. «اللي اختشوا ماتوا»! / سلمان إسماعيل

صحيح.. «اللي اختشوا ماتوا»!
الكاتب المصري: سلمان إسماعيل

منتهى العبث هو المرحلة الأخيرة من اللامنطق واللامفهوم، وعليك كمواطن عربي بغض النظر عن دولتك أن تواجه كل صباح أمثلة على تفاهات الأمور في الوقت الذي ينطلق فيه عدوك الصهيوني إلى الفضاء، وأن تنشغل بالصغائر بينما ينشغل عدوك أيضًا بالمصائر..
الصحف تضج بإنجازات الحاكم، والفضائيات تستضيف المتزلفين والمنافقين ليؤكدوا ما نصت عليه نشرة الحكومة التي وزعتها على الصحف.

أفزعني خبر طالعته بنفس الصيغة في 3 مواقع إخبارية مختلفة، تبدأ فقرته الأولى بـ«علم موقع كذا» من مصادر مطلعة أن.. إلخ، وكأن المواطن لا يستقي الأخبار والأنباء إلا منهم، ويتساءل مُنظَروهم بعد ذلك عن سبب عزوف الناس عنهم، وأسباب تراجع توزيع الصحف التي تُصدرها الدولة أو المملوكة لرجال أعمال ولكنها تعمل أيضًا بتوجيهات مباشرة من الأجهزة الأمنية.

في مصر، شهدت البلاد على مدار 3 أيام، التصويت على تعديلات جرى إدخالها على دستور 2014 الذي لم تُفّعل مواده بعد.. وبعيدًا عن جدوى التعديلات، أو نية الحكومة ومجلس النواب من إجراءها في الوقت الحالي، إلا أن مشهدين لفتا الأنظار، وأشعلا مواقع التواصل الاجتماعي؛ الأول يخص النائب أحمد طنطاوي، عضو تكتل (25 – 30) البرلماني، الذي قال تحت قبة مجلس النواب إنه: لا يجب رئيس الجمهورية، ولا يثق في أدائه، فانهالت عليه تهم العمالة والخيانة والدعوة لتعطيل المسيرة المباركة للعبور بالوطن إلى الرخاء المنشود الذي لم يرَ المصريون أي بوادر له حتى الآن.

اللافت أنهم لم يجدوا مقاطع فيديو جنسية لـ«طنطاوي»، أو حتى مكالمات تحتوي ألفاظًا خارجة كما حدث مع زميليه تحت القبة المخرج خالد يوسف والمهندس هيثم الحريري، لكنه لم ينجُ أيضًا من حملة تتهمه بـ«إهانته جموع المصريين والتطاول على كل أجهزة الدولة»، وصلت لمكتب النائب العام ونيابة أمن الدولة العليا، ومُطالبات برفع الحصانة البرلمانية عنه وتقديمه للمحاكمة الجنائية العاجلة.

المشهد الثاني لموظفة داخل لجنة انتخابية، شاء القدر أن يصوت فيها رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، وانتشرت صورة تُظهر الموظفة كما لو كانت تُشيح بوجهها عن البابا، خلال إدلاؤه بصوته.

عدد من مروجي الفتنة سواء بقصد أو دون قصد، اعتبروا الأمر إهانة للبابا لأن الموظفة لم تقف احترامًا وإجلالًا لقداسته. ووصل الأمر إلى نائبة الشعب نادية هنري، عضو مجلس النواب، فتقدمت على الفور بمذكرة للنيابة الإدارية للتحقيق مع الموظفة التي لم تُظهر تبجيلها لقداسة البابا.

لاقت المذكرة التي تقدمت بها النائبة استجابة سريعة وتفاعل من قبل النيابة الإدارية التي أكدت أنها ستُحقق مع الموظفة وأنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية، يعني (بيت أبو الموظفة هيتخرب). قبل أن يتدخل البابا ويطلب من رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات عدم مُعاقبة الموظفة، وكأنه يُسامحها على ذنب لم تقترفه بالأساس.

لا يخفى على أحد حجم الحب والتقدير الذي يحمله المصريون في قلوبهم تجاه البابا تواضروس، نقدره جميعًا، ونعتز بمواقف كنيستنا الوطنية تحت قيادته، لكن لا يوجد قانون يُلزم الموظف الحكومي بالوقوف أو الابتسامة في وجه مواطن دخل يدلي بصوته، إلا من باب الذوق في التعامل.

أعتقد أن النائبة التي صعّدت الأمر إلى النيابة الإدارية مدينة بتقديم اعتذار للشعب المصري الذي اختارها لتمثيله في البرلمان؛ لأنها تركت دورها التشريعي، والرقابي على السلطة التنفيذية، وتفرغت لمهاترات مواقع التواصل الاجتماعي، وأن تتابع بنفسها عدم تعرض الموظفة لأية مضايقات على خلفية الصورة التي التقطها أحدهم من زاوية ضيقة لم توضح أنها كانت تقوم بعملها في متابعة عملية التصويت مع باقي الناخبين الذين تواجدوا في اللجنة في نفس التوقيت، ولا صحيح.. «اللي اختشوا ماتوا»!

Salman.mohamed67@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى