شهرزاد / يوسف غيشان

شهرزاد
لعلّ شهرزاد بطلة حكايات ألف ليلة وليلة ، هي اقدم وأشرس وأقوى مدافعة عن حقوق المرأة في العالم أجمع وعلى مرّ العصور.
لم تكن شهرزاد مجرّد جارية تروي الحكايات المسلية لقاتل تافه مريض نفسيّا هو شهريار الملك ، بل أنّها كانت ثائرة استراتيجية استطاعت التغلّب على هذا الطاغية وكسر أنف ذكورته الحمقاء.
شهريار كان ملكاً متجبّراً يملأ قصره بالحريم والجواري ، وقد اكتشف أنّ زوجته تخونه مع أحد عبيده ، فقتل الزوجة والعبد ، لكنّ لعبة القتل هذه أعجبته وصار يطلب كلّ يوم عذراء يتزوجها ثمّ يقتلها في الصباح ، حتى كادت المملكة تخلو من الصبايا .
وحدها شهرزاد ابنة وزيره الأول هي التي طلبت من والدها أن يزوجها للملك ، وسوف تنجو وتخلّص البلاد والعباد من هذا الوباء، فكان أن تزوجته وصارت تحكي له كلّ يوم قصّة مشوّقة ، لكنها كانت تتوقف عن الكلام حينما ينبلج الصباح ، وتكون القصّة في أوج تشويقها فيضطّر شهريار إلى إبقائها حتى اليوم التالي ليسمع بقيّة القصة ثم يقتلها بعدها .
في اليوم التالي كانت شهرزاد تنهي القصّة الأولى بعد أن تربطها بقصة ثانية لا تنتهي إلاّ في اليوم التالي.
استمرّت شهرزاد في القصّ حتى تخلّى الملك عن عادته القاتلة ، وندم على جرائمه بحقّ النساء بعد ألف ليلة وليلة من الحكايا التي شطفت روحه من عقدة التمتع بالقتل.
كان لزوجة شهريار الأولى انتقامها بأن خانته مع العبد ( وهذه دلالة رمزية على قصديّة التحقير) ، لأنّه كان يخونها مع مئات وربما آلاف الجواري .. لكنّ هذا كان انتقاماً فردياً لم يؤدِّ إلى نتيجة.. أمّا شهرزاد ، فقد انتقمت من روح القاتل وكسرت شوكته حتى أعلن الندم ، بعد أن تعلّم ضرورة بناء علاقة إنسانية مع المرأة التي تشاركه الفراش ، ليصل عن طريق هذه العلاقة الإنسانية المتساوية إلى النضج العاطفيّ .
شهرزاد هزمت شهريار حتى رجع كائناً عادياً ، ثم عاشت معه في هناء وسعادة إلى أن جاءهم هادم اللذات ومفرق الجماعات .
كان شهريار يستحقّ القتل ، لكنّ الأنثى المتسامحة كانت أكبر من غريزة الثأر ، وهذه طبيعة الأنثى التي تهب الحياة وتعطيها كائنات أجمل وأعدل، شهرزاد لا تسلب الحياة مهما كانت الظروف والمبرّرات.
شهرزاد .. وكلّ أنثى : يسعد ربّك !!
من كتابي(لماذا تركت الحمار وحيدا)الصادر عام2008

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى