شعب “مهضوم” / سهير جرادات

شعب “مهضوم”
سهير جرادات

مع الأحداث المتتالية والمتسارعة، التي شهدتها الساحة الأردنية مؤخرا، لم نعد شعبا مهضوما، قادرا على إطلاق النكات رغم الكبت، الذي نعاني منه جراء القرارات الحكومية، التي لا تكترث بمصالحنا ، بل حولتنا هذه الأحداث إلى شعب قادر على هضم ما لا يهضم .

إن أحداث شهر أيلول الماضي، وضعت الشعب الأردني أمام أكبر عملية “هضم” لأحداث ليس من السهل استيعابها؛ ليتسنى لنا “هضمها”.
دعونا لا نذهب بعيدا ، ولنبدأ من تلك الصناديق الانتخابية المفقودة ، والتي تشبه ذلك الصندوق الأسود، الذي يجري البحث عنه بعد فقدان أي أثر أو سقوط لاحدى الطائرات ، لتكشف بعدها التسجيلات سر الغموض .

العجيب أن الصندوق المفقود وبعد البحث عنه في كل مكان ، في الطرقات وحتى في المنازل ، عثر عليه تائها في منطقة أخرى ، ولحسن الحظ أنه وجد فارغا ، ولما يستطع مواطننا رغم ما يتميز به من شهامة أن يهضم الرواية ، على الرغم من انشغاله في محاولة هضم “تغيير المناهج” ، وتلك الاشكاليات الفريدة، التي رافقت موسم الحج لهذا العام ، لينصدم بعدها بالتشكيل الوزاري وبقرار الاحتفاظ بالثالوث الأكثر جدلا في تلك التعديلات البسيطة، التي أجراها رئيس الحكومة ،وحُسبت علينا تغييرات،مع أنها لا تتعدى مجرد تعديل شكلي طرأ على التركيبة الحكومية ، وكأنه نوع من قياس قدرة تحمل المواطن ، واختبار صبره .

عملية “الهضم”، لم تتوقف عند هذه الحوادث ، فلا ننسى حادثة إطلاق الأعيرة النارية في المقرات الانتخابية، التي راح ضحيتها فتاة قريبة لذلك النائب،الذي وصل إلى مجلس الأمة بالدم.

مقالات ذات صلة

وقبل أن يفكر المواطن بهضم تلك الحادثة، استيقظ على حادثة غريبة علينا لا يمكن هضمها أيضا ، ألا وهي التصفية الجسدية للكاتب ناهض حتر على درج قصر العدل ، لتلحق بها حادثة مرفوضة عروبيا،وهي اتفاقية الغاز التي وقعتها شركة الكهرباء الوطنية لاستيراد الغاز “الإسرائيلي ” ، وربط اقتصادنا الوطني استراتيجيا مع العدو لمدة خمسة عشر عاما ، واخضاعنا للابتزاز الصهيوني مقابل 10 مليارات دولار، سيتم توظيفها من قبل العدو لقتل الشعب الفلسطيني وانتهاك مقدساته.

نعود إلى تشكيل الحكومة،التي لم تكن مهضومة، عملية تقليص التمثيل النسائي فيها إلى النصف، بعد اخراج سيدتين والابقاء على اثنتين فقط ، مما يدل على ضعف التمثيل النسائي في الحكومة ، خلافا لزيادة تمثيلها في البرلمان ومجلس أعيان الملك، وبذلك تؤكد الحكومة أنها ضد المرأة ، وضد نصف الشعب من خلال تقليص دورها.

حتى لو حاول مواطننا “هضم” تلك التشكيلة الحكومية ، كيف له أن “يهضم” استمرار مشاركة بعض الأسماء المنتهية صلاحيتها والمحفورة على الغطاء ، وهل من المعقول أن “تهضم” قصة ذلك الوزير الذي لم يتم التأكد من سجله الأمني لا قبل ولا بعد أدائه للقسم ؟ مما يدل على وجود خلل له ثلاثة جوانب ، الأول الوزير الذي أخفى أمره عند إجراء المشاورات معه ، والثاني يتمثل بشخص رئيس الوزراء الذي ما زال غير معروف علمه المسبق بسجل الوزير “الجرمي” ، أم أنه لم يكن على دراية بتاريخ من اختاره ضمن فريقه ، وهذا الجانب بحد ذاته مصيبة، والثالث وهو الأعظم وغير مغفور للأجهزة الأمنية التي يقع على عاتقها مسؤولية قراءة واستعراض الملفات الخاصة للأشخاص، الذين يتم اختيارهم ليتولوا أعلى المناصب في الدولة .

نحن في بلد صغير ، من عادة عائلاته إذا تَقدم أحدهم لخطبة إحدى بناتها السؤال لتلك الأجهزة من خلال أقرباء أو معارف الذين لا يتوانون عن تقديم النصح من خلال استعراض الخطوط العريضة من غير الدخول بالتفاصيل ، وحتى كثير من الوظائف لحساسيتها ما زالت لغاية الآن يتم الاستئناس بها بالرأي، تفاديا لأي اشكاليات مفاجئة ، كيف تمر حادثة الوزير صاحب الاسبقيات دون أخذها بعين الاعتبار ، إلا إذا كانت الأحكام الجرمية لا تعتبر معيقة لطبيعة عمل الوزير سواء أكان محكوما أم غير محكوم بجنحة أو جناية .

حتى لحظة كتابة هذه الكلمات ، ما زالت محاولات الشعب مستمرة لهضم الأحداث التي أفقدتنا حاسة التذوق ، ونستقبل ” تشرين الأول ” على أمل التخلص من مخلفات ” أيلول” ،التي تشير إلى وجود خلل لا يمكن السكوت عنه..

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى