شطحات لزمن عربي موحش ! / اسماعيل أبو البندورة

شطحات لزمن عربي موحش !

نذهب إلى الشطح تحت وطأة الوحشة والانحسار والانكسار ، ونطفو على كلمات شريدة جارحة لم تجد إلى العقل سبيلا فذهبت إلى الريح تخاطب الفراغ واللامعنى وتتبعثر في واقع عربي جريح ومهزوم علها تحرك الساكن والهامد وتبعث الحياة فيما يندرس ويذبل ويتبدد أمام ناظرينا ولا يجد منقذاً أو مخلصاً أو مفسراً يقهر العتمة ويبشر بالأمل .
سكتنا بقهر وازددنا شطحاً أمام عرس ترامب ووجهه الشمعي ورقصه المبتذل وفرشنا له المال وما هوى وقدّر واشتهى ، والأنكى والأخطر أننا أعطيناه فضاءا ومنصة مجانية متوهمة لكي يقدم درسه وخطاب جنونه في لحظة كان يتهيأ للحج إلى حائط المبكى ويدسّ فيه ورقة أو حجاباً وأصماغاً تحول دون وصول أنين الأسرى إلى أسماعه وأسماع العالم ولكي يبقى معنى فلسطين شريداً مبدداً في عقله وخياله .
هالنا مدى الهرطقة السياسية والسرديات الاستعمارية وامتدادها وهالنا الاصغاء المستكين لمفرداتها وهي تقال في الزمن والمكان الموحش الصعب ، وساءنا ما ورد في الخطاب الهجين أمام الشعب المجاهد الصابر الحزين ، وقلنا لعلها الغفلة والاستكانة المطلقة ولعله زمن الانشطار والغياب العربي إذ لا مشروع ولا رؤية ولا خطاب عربي واضح ومبين في مواجهة الخطاب اللعين ، ولا كلام يعلو على كلام الهراطقة في زمن يبشر بالقولبة والإلحاد العميم والتغيير المقيم والشامل للقيم وأخلاق البشر ، وبئس ما كنا نرى ونتابع ونحن لا نلوي على شيء سوى أن نهلع ونستفظع وتصل قلوبنا إلى الحناجر ثم تهدأ وترتخي وتعود إلى مجراها في النبض الهامد المعاكس المدجن المميت .
ولأننا لا نملك القدرة على تفسير وإحتواء هذه الردة وهذا الإفلاس والانسحاق وقبول التلاعب والهرطقة على علاتها نعود فوراً إلى الكلامولوجيا والكلام والسجال التبكيتي الباهت العقيم لا بل نذهب إلى الشطح ففي الشطح تجلٍ ووجد وحيادية وارتخاء وهناء وفيه راحة من العنت والفعل والتحدي ، وفيه ما يكرس الحالة المائلة والندب المقيت واستمراء الخنى والمذلة ، وفيه ما يغري بالسهولة وارتضاء الواقع بما أنه الممكن المتاح .. للعربي وهو بلا حول وجناح ، وبئس ما نفعل ونرى ونحن نحدق بغربتنا واغترابنا وبؤس حالنا ولا نجد إلا في الحروف اللقيطة ملجأً وملاذا ورداً على السقوط واتساع الرتق على الراتق .
ونسأل متى يكون عرسنا بإزاء أعراس ترامب التي تقام في بلادنا وضداً لها وعليها ؟ وهل سيأتي الدرس بعد العرس ؟ أم أنها استحالة مستديمة لا خلاص منها إلا بقيامتنا واستمرار موتنا ونحن أحياء ؟ أو هو تصديق للثعلب الاستعماري وهو في لبوس الواعظينا ومشيه في الأرض يهذي ويسب الماكرينا ، وهل نظن يوماً أن للثعلب دينا؟
نسأل والصورة المغايرة والأمل والقدرة الخبيئة موجودة فينا وفي تاريخنا وفي فضاءاتنا العقلية والوجودية وداخل أرواحنا ، ونحار ونحن نتملى هذا الزمن الموحش ونسأل : أين انطمرت كل هذه المكونات والتكوينات المؤسسة لوجودنا وتاريخنا وكيف نستعيد لحظتنا ورد اعتبارنا حتى في ظل هذا السواد والانسداد وهذه الوحشة والتوحش ؟ اسئلة برسم الجواب .. حتى لا تدوم أعراس بنيامين وترامب !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى