شدو الرباب في أصحاب الألقاب / يوسف غيشان

شدو الرباب في أصحاب الألقاب
في مدينتنا الصغيرة، كما في غيرها من المدن والقرى ، يجيء اللقب لكأنه المعمودية الثانية والاسم القرين للكائن ، ومن الصعب ان تفلت من سطوته عائلة أو فرد. وفي المدن الصغيرة تجد دوما كائنات ذات باع طويل في (تلقيب) الآخرين دون ان يجرؤ احد على تعميدهم باللقب، لكأن هؤلاء دائرة أحوال مدنية موازية، ويمثلون قسم السجلات الشعبية وانسيكلوبيديا القرية. ويا ما تغلب اللقب على الاسم والعائلة حتى صار هو الأصل، فاقتصرت استعمالات الاسم الحقيقي على المعاملات الرسمية وشهادة الوفاة. ويا ما راجعت نساء مراكز العيادات الصحية وحينما يسألونها عن الاسم تقول اللقب: ام عرقوب/ ام عربود/ ام الطوابين / خشم الجاجة/… الخ.
وقد توارثنا وما نزال أسماء وعشائر كانت ألقابا في الأصل مثل معظم أسماء العشائر التي تبدأ بكلمة (أبو). هذا التنابز المازح بالألقاب ليس خطيئة ولا عيبا، بل هو جزء من الشيفرة الوراثية التي تدلل على الانتماء الى هذه الجماعة بالذات وبالأخص.. بحيث يكون اللقب هو (الاسم الحركي) للفرد أو للعائلة، وهو شهادته الطبقية أيضا، إذ غالباً ما تطال الألقاب المضحكة الفقراء ولا تصل للأغنياء إلا الألقاب التفخيمية والتعظيمية، فالغني ذنبه مغفور حتى لو كرر كلمة أو عبارة أوتلعثم في كلامه أو ربّى قطيعاً من القطط او السلاحف. إما الفقير فتحسب عليه أناته فإذا تأتأ صار اسمه: (هقهق)، وإذا مر من جانب قطة سموه: (ابو البساس)، وإذا تجشأ وهو نائم صار اسمه: (أبو ترعة)… وما الى ذلك من ألقاب وكنيات ما أنزل الله بها من سلطان، لا بل ان الألقاب التصقت بالبعض لأنه كان يشبه احد الممثلين في مسلسل عربي تافه أو في تمثيلية إذاعية.
في حارتنا رجل يلقبونه (أندريه) ولا احد غير أمه ربما يعرف اسمه الحقيقي، آخر مات واسمه المتداول (دقموس)… وأولاده يسمون حتى الآن: اولاد دقموس. آخر يلقبونه: (الطشمة)، وهناك ابو ليّه، والطزيز والحوت والفريرة وأندولا وأبو بصلة… واعتذر عن ذكر الألقاب المسيئة أو التي تحمل دلالات جنسية.. وهي كثيرة ،الحافظ الله.
لكن أصعب الألقاب في بلادنا هي تلك التي تسمي الولد باسم أمه أو زوجته أو امرأة من العائلة، وهي ألقاب تتأتى غالباً من امرأة قوية الشخصية سحقت اسم الأب الماكل روح الخل ، أو من سيدة ترملت فشمرت عن ساعديها وربت الأولاد برموش الأعين. مثلاً: (سمير هدى/ ابن صبحا/ اولاد الريادية/) وهكذا، فالرجل الشرقي يستكثر على المرأة قوة الشخصية ويعيّر رجال العائلة بها.
جدي كان لقبه (ابن عيطان) وما زالوا ينادوننا بذات اللقب (أولاد عيطان) أما أبي فكان يسميني (أبو القزايز) لأسباب قد لا تخفى على بعضكم. في عمان يلقبونني (عبد ربه) على اسم صحيفة ساخرة اشتهرت، وكنت رئيس هيئة تحريرها.
في البدء كان الاسم.
ثم صار اللقب.
وكان اللقب شامة على وجوه الأغنياء
وندبة على وجوه الفقراء
الصراع الاجتماعي الطبقي حتى لو حاولنا إخفاءه بالمساحيق، فإنه يظل ظاهراً كالنتوء!!
من كتابي(مؤخرة ابن خلدون)الصادر عام 2006

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى