سياسيون بلا حدود / يوسف غيشان

سياسيون بلا حدود ….

اذا لم ترغبوا في أخذ العبرة، فلتأخذوا القصة على سبيل الطرافة فقط لا غير…. كان سليمان باشا أحد رؤساء الوزراء الذين تناوبوا على الوزارة العراقية، خلال فترة الانتداب البريطاني، في النصف الأول من القرن المنصرم، وكان الرجل يريد أن يصنع لنفسه شعبية بين الناس، ليرضى عنه الإنجليز، وتدوم وزارته وتدوم وتدوم…. مثل شفرات الـ(ناسيت)…بالطبع لم يكن الرجل هو الأول أو الأخير في محاولة استرضاء بريطانيا، لأنه يعرف أن الجهاز الذي يحدد مدى صلاحيته كرئيس للوزراء، في يد بريطانيا تكبسه أنّى شاءت وتحدد التاريخ الذي تشاء.
عام 1937 سمع سليمان باشا عن مظاهرة ستخرج في بغداد ضد تقسيم فلسطين، فتأنق ونزل مع حراسه الى المظاهرة وشارك فيها، وسار معها طائفا في شوارع بغداد، وربما هتف ببعض شعاراتها مع المشاركين المناوئين لسياسات بريطانيا في فلسطين، وربما شتم بريطانيا بأقذع المسبات، على طريقة إخوتنا العراقيين. وقد شهد ذلك العام -وخلال الثورة الشعبية التي اندلعت منذ عام 1936- شهد محاولة بريطانية لتطبيق وعد بلفور بكامل حيثياته، في فلسطين.
في المساء وبعد انتهاء المظاهرة، استدعى السفير البريطاني رئيس الوزراء العراقي سليمان باشا، وأنبه ووبخه – وربما شتمه – بسبب مشاركته الفاعلة والفعلية في مظاهرة ضد انجلترا، واعتقد السفير، أن رئيس الوزراء العراقي، ربما يكون تحول الى وطني قومي غيور.
لكن سليمان باشا، خيّب ظن السفير البريطاني وقال مدافعا عن نفسه:
– سعادة السفير.. نحن في النهار نمشي معهم، وفي الليل نعمل ما تطلبون.
قد يبدو تصرف دولة رئيس الوزراء مستنكرا وغريبا عن عاداتنا وتقاليدنا، (كما يحلو لنا أن نتشدّق)، لكننا اذا نظرنا حولنا بكل واقعية، نجد أن دولة الرئيس سليمان باشا كان يؤسس لمدرسة عريقة ودائمة الحضور والتأثير والتأثر في السياسة العربية ….. مدرسة الازدواجية وتعدد الخطابات وتناقضها، مع انها تخدم في النهاية هدفا واحدا .. وهو ليس الهدف الوطني بكل أحرف وكلمات التأكيد والتوكيد، المتوافرة بكثافة في كتب النحو العربية.
لا أعرف رد سعادة السفير البريطاني على سليمان باشا، ولا أعرف موقفه الشخصي منه كإنسان، لكنه في النهاية رجل دبلوماسي، ويخدم دولته العظمى (آنذاك)، بالتأكيد اطمأن للرجل، وتبددت مخاوفه حوله، وأحس بالإشفاق عليه، وهو يراه يبلع ريقه بانتظار رد سعادة السفير.
ولا بد أن سعادة السفير البريطاني، طبطب على ظهر رئيس الوزراء العراقي وقال له:
– ابق كما انت يا صديقنا العزيز .. هكذا نريدك أن تكون بالضبط، ودون ربط .
حاليا – في العالم العربي- ليس الغريب على بعض السياسيين أن يشبهوا رئيس الوزراء العراقي الأسبق سليمان باشا، بل الغريب أن لا يشبهوه. لذلك، فلا بد أن هذه الطبطبات على الظهور، لا تزال مستمرة حتى ساعة اعداد هذا البيان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى