سن الحمار / يوسف غيشان

سن الحمار
“خذ سن الحمار وأعطيني سن الغزال” …. هكذا كنا ننادي حين يسقط من أفواهنا أحد أسنان اللبن بعد ان نحمله ونرميه في أرضية الحوش ،كان ذلك حين كنا أطفالاً ذات قرن. في الأماكن الأكثر حظا (حسب الادعاء بأن الغنى والفقر مجرد حظ وليس من صنع الحاكمين) فإن أطفالهم يضعون السن المكسور تحت المخدة ، وفي الصباح يجدون مكانه قروشاً وحلوى وضعها الأهل . نحن الفقراء بلا حدود كانت عتمة الحوش و (لاصته) وثعابينه ودجاجه تبتلع الأسنان اللبنية ، وهي في الواقع أسنان (عدسية ) لأنها اعتادت على( درم )العدس في معظم الطبخات والحلويات .
كان الأهل يحذروننا من مغبة اللعب بالسن أثناء فترة نزاعه الأخير، وكذلك بالسن النامي عند بزوغه ، تحت حجة أنها سوف تنضج معوجة ، وكانوا كأنهم يقولون لنا أن نعبث بها على سبيل التسلية والشغب ، لذلك ترعرعنا بأسنان معوجة تعضنا أكثر مما تعض الطعام .
كان الأهل ينعمون ببعض الهدوء أثناء فترة انقلاع الضرس ، لأننا كنا نهجر الشغب ونتسلى باللعب بواسطة اللسان مكانالتجويف الجديد، فنتلهى عن الشيطنة بأنواعها والثرثرة بتفريعاتها ، لا بل ان بعض الأهل كانوا يرسلون أولادهم في تلك الفترة إلى (الأمومة والطفولة ) خوفاً من أعراض مرضية منعت الولد من الكلام . والبعض الآخر كان يرسله إلى المشعوذين لطرد الأرواح الشريرة التي ابتلعت لسانه . ولم يعتقد الأهل في يوم من الأيام بأن الصمت كان علامة عبقرية ( كما يحصل الآن .
إذن ، فلم تكن أمانينا تتحقق ، وكنا نستبدل سن الحمار بسن تافه أعوج أصفر مليء بالسوس، ولم يحصل أي منا على سن الغزال ، لأننا كنا في تلك الفترة بالذات (الثالث الابتدائي تقريبا ) نتعلم تدخين عروق الملوخية و(قمع ) سجائر الهيشي واللولو . قريبي (الياس الفرح ) ترك التدخين في الصف الرابع لكنه عاد إليه أكثر شراهة في امتحان نصف الفصل في الصف الخامس .
يا إلهي لو كنت أملك التجربة في ذلك الوقت لكنت طلبت بدل سن الحمار ، سن ذئب أو تمساح أو حوت ، كل ذلك من أجل العيش رغماً عن أنف الحكومات، ومن يحكمها.
من كتابي “مؤخرة ابن خلدون” الصادر عام2006

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يا استاذنا يوسف غيشان المحترم….ما اجمل ما تكتب عند ما اقرا ابداعاتك .الجميله…اشعر بصدق انها تصف حالنا وايام عشناها كلنا فيما مضى.انها القدرة العبقريه.في الكتابه..تجعل حياتنا اقل قتامه.دمت وشكرا.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى