سجاد أصفهاني مزركش / منصور ضيف الله

سجاد أصفهاني مزركش

اعتاد الطفل أن يجلس على الصخرة القريبة من البيت ، حافي القدمين ، رث القميص ، ممزق العرى ، بالكاد يلتصق بنطاله بخصره . بعيون دامعة يرقب التلال المنتشرة على حدود الأفق ، يمسحها تلة تلة ، وسفحا سفحا ، ثم يعيد رسم الخريطة بما يمنحه لحظة اطمئنان وود .

لم تكن لتقف عيناه في المدى المفتوح ، بل يتوغل في زرقة السماء الصافية ، تدهشه القبة المتعالية الصافية ، وتخطف لبه كسر السحاب الصيفي . تتسمر أحداقه على غيمتين بيضاويتين تخالطمها دكنة متناثرة . ثمة روح غريبة تسوق الغيمتين . تقتربان ، تتزاحمان ، تمتزجان ، وتتماهيان . تغرق عيونه الصغيرة في المشهد ، يطير الطفل ، يتلاشى في نداء بعيد .

ينقلب البياض الى حمرة خاطفة ، سجاد أصفهاني مزركش بكل أنواع الورود ، ياسمين ، شقائق نعمان ، بانسيه لا يكاد يرى ، جوري يعاند الزمن وينتصر ، اوركيدا نبتت فجأة ، لوتس على شفا نهر يتيم . ينعم النظر ويطيله ، مطر صيفي يشق اليبوسة والمدى ، يمسح طرف أنفه بكف مرتعشة ، رائحة لذيذة تعلن مولد الهطول ، ويتساقط عطر خفيف ،ثم يشتد قليلا قليلا . تتشبع الاقدام الحافية ، والقميص ذو العروة الوحيدة ، والبنطال الناصل .

يقول الرواة : عبر الطفل بوابة البيت وغاب . لم يعرف أحد مصيره ، لكن اللافت شجرة الكينا التي نبتت فجأة في زاوية البيت . نمت بطريقة مدهشة ؛ تتطاول أغصانها الغضة إلى مفارق السماء ، وتكاد تهامس غيمة صيفية عتيقة . كل ليلة تهتز الاغصان برقص صوفي ، تتناثر منها روائح رائعة ، تملأ الشوارع والحارات . كل ليلة تنبت أشجار جديدة ، تتسلق الأفق بوحشية وسرعة .

على الجهة البعيدة من المدينة جرت غابة ، أشجار كثيفة ، متعانقة ، لم تبح بسرها ، وثمة خيال لطفل عنيد ، يعبر ظلال السيقان الضخمة ، الأرض الرطبة ، الأثلام البكر ، في انتظار بعث جديد .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى