«زي البشر» / د . ديمة طهبوب

«زي البشر»
كثير ما نسمع تلك الأمنيات البسيطة للناس أن يعيشوا معيشة كريمة كباقي البشر المحترمين حول العالم غير أن التمني لا يجب ان يكون فقط في باب تأمين الاحتياجات والكماليات والوصول لمستوى معين من الرفاه الاقتصادي فهذا جزء من المعادلة الانسانية التي يشترك بها الجميع بقلة او كثرة غير أن الشعوب تبقي بصماتها على خارطة الحضارة الانسانية بقيمها وازدهارها الثقافي ايضا.
ويزداد الرسوخ القيمي كلما كانت التحديات اكبر والصمود أقوى في مواجهة أنماط القوة والغطرسة والاحتكار بكافة صوره.
ومن هذه الأمثلة على تفوق الارادة البشرية، حتى في ضعفها، وتصديها لاستقواء السلطة ما حصل في حصار الشعب يوم فرضت قريش المقاطعة الكاملة على رسول الله والمسلمين وما أظهروه من تحدٍ جبار أكلوا فيه ورق الشجر وقضى فيه بعض الصحابة وأمنا خديجة دون أدنى زحزحة عن المبدأ حتى تغير المشهد العام بما فيه نفوس المشركين الذين هزموا داخليا وتأثرت سمعتهم أمام صبر المسلمين.
وعلى هذا المنوال استمرت حركات المقاطعة والصمود للمقاطعة المفروضة، وكانت غالبا ما تصدر من قلة مستضعفة تنصب من أجسادها وقوتها وترهن حياتها في سبيل الانتصار لقضية ومبدأ.
وفي التاريخ استعراض وفير كيف ان سببا بسيطا كمقاطعة الشاي وضريبته والتجارة مع بريطانيا كان أحد الاسباب المباشرة قبل اشتعال الثورة الأمريكية واستقلال أمريكا عن بريطانيا وكيف رضي الهنود بالعودة الى المغزل اليدوي البدائي لصناعة ملابسهم استغناء عن البضائع البريطانية.
وكيف تصدرت امرأة عجوز هي روزا باركس مشهد تحصيل الحقوق للسود بإنهاء التمييز في ركوب الباصات في أمريكا.
وكيف استطاعت ٢٤ صبية ان تجبر احد اكبر شركات الازياء في أمريكا وهي ابركرومبي على سحب منتجاتها المسيئة للمرأة التي تقدمها كجسد جميل دون عقل.
وما يميز كل هذه التحركات وانجازاتها انها كانت شعبية ولم تكن مدعومة من مؤسسات الدولة بل على العكس كانت تتحدى المؤسسات سواء أكانت حكومية داخلية ام احتلالية ام عميلة، غير أن في تاريخنا العربي صفحة غيبت تماما عندما استطاعت الدول العربية وجامعتهم استخدام النفط كسلاح سياسي اقتصادي للضغط على العدو في مثال يتيم كان يستند الى مبادئ ثلاثة: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض.
وقد تم الانقلاب تماما على هذه المبادئ وانفك عقد الدول العربية لتمضي كل على حدة «لمسالمة» العدو التاريخي في المنطقة!
عندما نتمنى ان نعيش مثل البشر فلنذكر أن المعيشة ليست فقط أكلا وشربا وقضاء حاجات وأن البشر يعيشون حقا ويخلدون بأكثر من ذلك وأن من لا يمسك بزمام حياته في صغيرها وكبيرها لا يملك زمام قراره.
وان الذين يساعدون العدو على احتلال بلادهم عسكريا او اقتصاديا او اجتماعيا أحقر الخلق في عرف البشرية.
قليل من البشر يرضون طواعية بالعيش تحت خط الكرامة الانسانية، وان صبروا لفترة لا يصبرون طويلا فطلب الكرامة فطرة في النفس السليمة ولولاه لما تحررت شعوب محتلة ولا نهضت أمم من الابادة، ولا سمعنا صوتا يرتفع في مواجهة ظالم، ولا استعدنا حقا مغتصبا
والراضي بالدون دنيء هكذا تقول الحكمة البشرية.
فعلا بدنا نعيش زي البشر…البشر أصحاب الكرامة والمبادئ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى