زيتونتي .. / جابر مصلح

زيتونتي ..

و تبقين يا زيتونَتي شاهدةً على الزمان ، تحتفظين في ذاكرتِك بكلِّ من أحبَّ الأرض ، و لا تنسين كلَّ من سرقَ حفنةً من ترابها ، في جذورِك أسرارٌ لا تقبَلُ البوح ، و بينَ أغصانِك أعراسٌ الشهداءِ و حكايا الكادحين ، في حفيفِ أوراقِك أغنياتُ أثوابٍ مُطرَّزَة ، و في براعمِك صيحاتُ أجيالٍ قادمة ، فأشجارُ الزيتون ، باقيةٌ ، لا تُطيقُ الرحيل .

لله درك .. وصفَ اللهُ سبحانَهُ تنويرَهُ للكونِ بنورٍ توقَّدَ من زيتِك ، فبقيتِ كما عرفناكِ ، تنحنينَ تواضعاً كلَّما أثقلَتكِ الثمار ، تقاسمينَ البسطاءَ خشونَةَ عيشِهم ، و تهدينَ الكونَ زيتوناً و ظلّا ، فلستِ أنتِ من أعدمَ السنابل ، و لستِ أنتِ من أخفى سرَّ الجريمةِ خلفَ لثامِه .. لم تسلَّلي من خلفِ الأسوار ، و لم تكسري هامةَ البندقية ، فأنت وحدك .. كنت الوفية .

إلى اللقاءِ يا زيتونتي ، أَنَا ذاهبٌ في رحلةٍ لن تستغرِقَ أكثرَ حَيَاتِي ، قد أعودُ بملامحَ جديدة ، و قد لا أعود ، فإن هزَّكِ الحنينُ إِلَيّ ، و ارتحلَ ظمأُ الشوقِ إلى قلبِك ، اشربي كلماتي التي تساقطَتْ تحتَ ظلِّك ، و تذكري أنَّها في يومٍ ما عجزَتْ عن وصفِك .

مقالات ذات صلة

أما تلك العجوزُ الطيِّبة ، فبينها و بينكِ مواعيدُ على شُرفةِ الفجر ، و لقاءاتٌ في باحات المساء ، ستهمسُ لك بأسرارِها ، و تحدِّثُكِ عن شوقها لأيامِ صباها ، فلا تعجبي من ذلك ، فكلُّ عجائزِنا .. يُتقِنَّ لغةَ الزيتون .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى