زلمة .. جلك الله / يوسف غيشان

زلمة .. جلك الله
ليس في العصر الجاهلي ولا في العصور الوسطى ، بل في هذه الأيام ،وعلى شرفة القرن الحادي الجديد ، ففي حديث رجال حول حوادث السير ، كان الرجل يسرد القصة ، وكلما جاء ذكر أنثى في نص الحديث ، كان يتبعه للسامع بعبارة ( جلك الله ) وأحيانا كان يقول :
– مرة بعيد عنكو.
تعلمون طبعاً أن هذه العبارات وما يشابهها تقال عند ذكر البهائم والدواب ، خصوصاً الحمير والخنازير ، أجلكم الله .
تفرست بالرجل ، فلم أجد فيه على الإطلاق ما يمكن أن يفوق أو حتى يوازي المرأة ( أي امرأة ) ، وأنا أعرف أن جل ما يقوم فيه هذا البعير هو استئجار ماكنة لحراثة الأرض ، ثم ماكنة لحصاد المحصول ، ثم تراكتور لبيع المحصول ، أما زوجته فهي التي تربي أرتال كائناته ( تفريخ الأطفال أحد إنجازاته أيضاً ) وترعى شياهه ، وتقوم ، يدوياً ، بتصنيع اللبن أو الزبد والسمن والجبجب والجميد ،كما تقوم بفلاحة الأرض المحيطة بالبيت لتكتفي العائلة من البقوليات.
بالإجمال ، المرأة هي العنصر المنتج بالبيت ، بينما لا يقوم ذلك ( البعير) سوى بممارسة الانتظار لبيع المحصول الذي لا يبذل فيه إلا أدنى جهد ، ويتفرغ للعب )) السيجة و( طق الحنك على أبواب الدكاكين ، ثم يتأبط شبريته ( أو مسدسه ) ، عند أي خلاف بسيط مع ابن عمه وهو على استعداد(للهده ) شبرية في الخاصرة ، وهو يفتل شواربه المغموسة بالدم متشامخاً بشجاعته وفحولته .
إن أية مقارنة بين تلك الإنسانة التي تصنع الحياة وبين هذا ( الوبش ) ، تميل فوراً لصالحها أخلاقياً وبشرياً ، بينما يتحول الوبش المتعجرف عند اشتعال نزواته الجنسية ، إلى كائن ذليل يلعق قدم المرأة لمجرد أن تبتسم له ، أما إذا تزوجها فإنها تصير من نوع ( جلك الله) .
هذه النظرة الدونية للمرأة لا أراها منفصلة عن خيباتنا وهزائمنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأننا نهمش نصف المجتمع الفعال المنتج ، ونجلس القرفصاء رافعين عرانينا للسماء ، متفاخرين ببطولات الأجداد الذين ملأوا البحر ( سفينا ) وتخّر لأطفالهم ( الجباير ساجدينا ) ، وهذا كله كذب في كذب في كذب .
حينما كان الرجل في العصور القديمة يعتقد بأن الآلهة غاضبة عليه ، لذلك فالسماء لا تمطر والصيد لا يظهر ، والنهر لم يفض ، كان يقتل فتاة عذراء على المذبح أو يلقيها في النهر إرضاء لآلهته . هكذا سلوك ، ليس مفصولاً عن قدر المرأة ، كونها بطلاً وضحية في ذات الوقت.
المرأة كانت وما تزال ضحية منذ أن اغتصب الرجل حق المرأة في المساواة الكاملة ، فدمر الأرض العرض والسماء ، ولوث التراب والماء .
للنساء الحق كل الحق في أن يقلن عند ذكر جنسنا البعاريني هذا :
– زلمة .. جلك الله يا اختي .
من كتابي(برج التيس)الصادر عام 1999

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى