رسالة نهرو لابنته وتحدي البرلمان للملك / موسى العدوان

رسالة نهرو لابنته وتحدي البرلمان للملك

بتاريخ 29 أغسطس / آب 1932، كتب نهرو رسالة لاينته انديرا من السجن، أقتطف منها ما يلي :

” توفي ملك بريطانيا جيمس الأول في عام 1625( والذي لم يكن محنكا بل كان مفتونا بحقه المقدس كملك، فوقع في خلاف مع البرلمان )، فخلفه ابنه شارل الأول. واشتد الخلاف بين الملك الجديد والبرلمان، وقدم الأخير ( ملتمس الحقوق ) عام 1628 طالب فيه الملك بعدم التصرف في بعض الشؤون، كفرض الضرائب والأمر بالسجن خارج حدود القانون، على اعتبار أن الملك لا يتمتع بالسلطة المطلقة. وهكذا تقف انجلترا في القرن السابع عشر في وجه ملكها، وتمنعه من إتيان أشياء يفعلها اليوم – في القرن العشرين – نائب الملك في الهند، من إصدار المراسيم الجائرة، والزجّ بالأحرار في السجون..!

غضب شارل لتحدي البرلمان له، فحله وحكم البلاد بدون برلمان. وبعد سنوات قليلة احتاج شارل للمال، فاضطر إلى استدعاء برلمان جديد ليوافق له على فرض الضرائب. ولكن البرلمان الجديد كان شديد النقمة على شارل وعلى أفعاله، التي أتاها بعد حل البرلمان السابق، فوقف في وجه الملك. وشبت على إثر ذلك نار الحرب الأهلية عام 1642، بين الملك ومن آزره من النبلاء ورجال الجيش، وبين البرلمان الذي وقف إلى جانبه التجار الأغنياء ومدينة لندن.

مقالات ذات صلة

واستمرت الحرب إلى أن برز على مسرحها رجل حديدي يدعى ( كرومويل ) امتاز بقوة التنظيم والحماس الديني. وقد وصف كارلايل هذا الرجل بقوله : ( بزغ كرومويل كالشعاع الذي بدد دجى الحرب وإعادة الثقة إلى النفوس ). وقد جهز كرومويل جيشا جديدا دعا رجاله ( الحديديين ) وبث فيهم حماسه وتنظيمه. واشتبك جنود البرلمان الملقبون ( البيوريتان ) مع جنود شارل الملقبين ( الفرسان )، وانتصر البرلمان ووقع شارل أسيرا في يد كرومويل ……

قرر مجلس العموم محاكمة الملك ولم يلتفتوا إلى معارضة مجلس اللوردات. وحُكم على الملك بالموت جزاء على ( طغيانه وخيانته وقتله للناس وعدائه للشعب ). وتم الإعدام في عام 1649 في وايتهول. وكان ذلك هو الثمن الذي دفعه شارل لادعائه بحق الملك المقدس. إن الملوك يموتون كما يموت غيرهم من الناس، وكثير منهم يلقى أسوأ مصير. ولا عجب في ذلك فإن الأتوقراطية والملكية تولدان القتل والاغتيالات، وكان نصيب الملكية البريطانية وفيرا. ولكن وجه الغرابة في قضية شارل أن مجلس العموم قام يدور المحكمة، فحاكم الملك وحكم عليه بالإعدام وقطع رأسه. وغريب أن يقوم شعب محافظ كاره للتغيير المفاجئ باتخاذ هذه الوسيلة في معاملة الطغاة، لأنه يضع مثالا لغيره من الشعوب.

وقد أفزع هذا العمل ملوك أوروبا وقياصرتها وأمرائها. فكيف يكون مصيرهم إذا نهجت شعوبهم هذا النهج في معاملتهم ؟ وقد فكر كثير من الملوك بالسير إل انجلترا وإخضاع شعبها، ولم يردعهم عن ذلك إلا قيام الجمهورية في انجلترا تحت إمرة ديكتاتور قوي هو كرومويل الذي لقب ( حامي الجمهورية ). وكان كرومويل رجلا حديديا استطاعت انجلترا أن تصبح على يديه، سيدة البحار بعد أن هزمت الأساطيل الهولندية والفرنسية والإسبانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى