رحيل عالم اردني في مجال الطيران

سواليف

كتب .. داود عمر داود
رحيل عالم اردني في مجال الطيران
نضال سمور: قاد فريقا من 300 مهندس لتطوير صناعة الطيران في أمريكا

عندما تبحث في الانترنت، باللغة العربية، عن اسم “نضال موسى سمور” لا تجد له ذكر سوى أن اسمه ورد، قبل أيام، في صفحة الوفيات في الصحف والمواقع الاخبارية المحلية. ولو علم الاردنيون من هو نضال سمور لاحتفوا به وكرموه في حياته وبعد مماته. فهو عالم اردني كبير في مجال الطيران في الولايات المتحدة الامريكية، درس الهندسة هناك، مطلع الثمانينات، وتفوق، فالتقطته شركة امريكية عاملة في مجال تصميم وتصنيع اجهزة الطيران التشبيهي، التي يتدرب عليها الطيارون. أكمل دراسته العليا وحصل على درجة الدكتورا من جامعة ولاية اوكلاهوما. وقد تبوأ أرفع المناصب في مجاله، وأسهم في تطوير أجهزة تدريب الطيارين، ولما توفى عن 54 عاما مؤخرا، خلال اجازته الصيفية في الاردن، كان يعمل تحت إشرافه أكثر من 300 من المهندسين والفنيين، من نخبة العاملين في مجال الطيران. فمن هو يا تُرى نضال موسى سمور؟ وكيف يصل مواطن اردني الى هذه المرتبة الرفيعة في الخارج ولا يكون له ذكر في بلده؟ وهل تنطبق على نضال مقولة “لا كرامة لنبي في وطنه”؟
البداية
نضال سمور من مواليد عمان عام 1963، والده الأستاذ موسى عبد المجيد سمور، المربي الفاضل والخبير التربوي، الذي عمل في وزارة التربية والتعليم وأسس، مطلع ستينات القرن الماضي، برنامج تعليم الكبار ومحو الأُمية في الاردن، ثم أعارته الوزارة الى منظمة التربية والثقافة والعلوم، “اليونيسكو”، التابعة للامم المتحدة، كخبير عالمي في مجال محو الامية. عمل في مقر المنظمة، في باريس، لسنوات طويلة، الى أن وافته المنية هناك عام 1984.
نشأ ابنه نضال في جبل التاج. في عمان، ولما أنهى المرحلة الثانوية، سنة 1980، اختار ان يكمل دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الامريكية، وحصل ، كغيره من الطلاب، على قبول من جامعة “تلسا” بولاية اوكلاهوما. حصل نضال على درجة البكالورياس في الهندسة الكهربائية، من جامعة مدينة تلسا، ثم درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية، وبعدها حصل على درجة الدكتورا في هندسة الكهرباء والحاسوب من جامعة اوكلاهوما، عام 1992.
استقطاب المتفوقين
ثم عزم نضال على العودة الى الاردن، لكن شركة Flight Safety الامريكية، المختصة بصناعة وتطوير أنظمة تدريب الطيارين، عرضت عليه ان يعمل لديها، كونه كان من المتفوقين والمبدعين في هذا المجال. لكن المشكلة انه كان يقيم هناك بتأشيرة طالب، واجراءات منحه الاقامة، عن طريق دائرة الهجرة، طويلة ومعقدة، ويكون فيها تنافس شديد. لكن الشركة تجاوزات الأمر بأن نشرت اعلانا لوظيفة شاغرة تم تفصيل شروط التوظيف على مقاس نضال، من حيث الابحاث التي اجراها. فحصل على الوظيفة ومعها الاقامة الدائمة في امريكا، ثم الجنسية فيما بعد.
المساهمة في تطوير أجهزة الطيران التشبيهي
انضم نضال للشركة عام 1992، في فرع الطيران التشبيهي، في “بروكن آرو”، بولاية أوكلاهوما، وفيما كان يتدرج في الوظائف، كانت مسئولياته تتعاظم. وكانت آخر وظيفة شغلها تحت مسمى “عالم متفرغ” في مجال البحث العلمي، قبل أن يتم ترفيعه، عام 2012، الى منصب مدير هندسة الطيران التشبيهي. وقالت الشركة، في حينه، ان الدكتور نضال قدم “العديد من المساهمات المهمة في مجال تصميم، وتصنيع، ودعم التقنية المتقدمة للطيران التشبيهي، على مدى العشرين سنة التي سبقت ترفيعه الى منصب مدير الهندسة.
وتصف الشركة الدكتور نضال بأنه كان “صاحب تجربة وخبرة في مجال الهندسة، وقد جعلت منه مهاراته القيادية، وفهمه العميق لمتطلبات تدريب الطيارين، الشخص المناسب للمهمات والمسئوليات التي تولاها، حيث أسهم في تعزيز ودعم موقف تلك الشركة الرائدة في مجال تقنيات الطيران التشبيهي، وكان يساعده أكثر من 300 من المهندسين ذوي المهارات العالية، الذين عملوا تحت إشرافه.
إنجازات نضال
إذن، اختص نضال في الابحاث وفي تطوير وتصنيع أجهزة الطيران التشبيهي. وكانت الشركة تُرصد عشرات ملايين الدولارات للابحاث التي يجريها، كونها الشركة الأهم في مجال تزويد صناعة النقل الجوي بأجهزة تدريب الطيارين، وأنظمة عرض البيانات. حيث صممت الشركة وصنعت أكثر من ألف نظام من أنظمة عرض البيانات على الطائرات، و800 جهاز طيران تشبيهي، وغيرها من أجهزة التدريب المتقدمة الأخرى، التي تستخدمها مراكز التدريب التابعة للشركة، وتلك التابعة للخطوط الجوية، وللطيران العسكري، حول العالم.

ربع قرن من الاختراعات في مجال الطيران
وللدكتور نضال مساهماته في تقدم هذه الشركة على مستوى العالم، وهي المختصة في مجال التدريب على الطيران، وتصنيع أجهزة الطيران التشبيهي، وأنظمة عرض البيانات، في المجالين المدني والعسكري، حيث توفر سنويا أكثر من مليون ساعة تدريب للطيارين، والفنيين وغيرهم من العاملين في الطيران، من 154 بلدا. كما تدير الشركة أكبر أسطول من أجهزة الطيران التشبيهي المتقدمة، في مراكز التعلم، ومواقع التدريب، في قارات آسيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية والجنوبية، والمحيط الهادىء، وجنوب أفريقيا، وبريطانيا. وكانت للدكتور نضال مساهماته ولمساته في كل هذا التقدم الذي حققته الشركة على مدى ربع قرن من الزمان.
صفات شخصية
اتسمت شخصية نضال بالصفات التي يحملها عادة كبار العلماء. فقد كان انسانا بسيطا، متواضعا مع من حوله، بشوشا، صاحب دعابة، محبا لاهله واقاربه، واصلا لرحمه، يرسل بناته سنويا الى عمان لابقاء الصلات مع أهلهم وللحفاظ على العادات والتقاليد. وكان نضال مثالا يحتذى لابناء الجالية العربية في المهجر، حيث نظر الناس اليه نظرة احترام وتقدير.
الغرب يسرق عقولنا
والأمر العجيب، في قصة الدكتور نضال سمور وغيره، ان شبابنا يذهبون الى دول الغرب ويحققون أروع النتائج، ويتولون أرفع المناصب، ويصبحون من كبار العلماء في مجالاتهم، ولكن لا تجد لهم ذكر في بلدهم. فإذا لم يكن بالامكان ان تستوعبهم بلدانهم فعلى الأقل أن تعرف عنهم. إذ يجب البحث عن هؤلاء المبدعين وإبرازهم ليكونوا مثالا يحتذي به عند أصحاب الطاقات المعطلة، والشباب المحبط،
الذين تتوقف حياتهم عند “التوجيهي”، راسب / ناجح! لعلهم يشعرون أن هناك أملا في الإرتقاء إلى أعلى المراتب، كما فعل نضال. فمهمة من يا تُرى البحث والتعرف على تلك العقول المهاجرة من أبناءنا؟ أهي مهمة شئون المغتربين ؟ أم هي مهمة جامعاتنا؟ أم مهمة وزارة التربية؟
خلاصة القول: ان الغرب لم يكتفِ باستعمار بلادنا، ونهب ثرواتنا، بل سرق عقولنا ايضا، ونضال سمور، رحمه الله، احد هذه العقول التي سرقها الغرب واستفاد منها. انا لله وانا اليه راجعون!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. كل علمه و انجازاته تستخدمها …………………………………………………………..

    هنيئا له هذا الانجاز

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى