رجل كثّ الشوارب / يوسف غيشان

رجل كثّ الشوارب

أحد أخطائي الكارثية هي أني اهدر الكثير من الوقت في متابعة افلام الآكشن التلفزيونية، وما يشابهها من المسلسلات. عادة لا يخلو الأمر من قاتل يسمونه (القاتل المتسلسل). لا أعرف مدى دقة الترجمة العربية للعبارة، لكنها تتحدث حول قاتل يكرر عمليات القتل، ضمن نمطية محددة، كأن يقتل الشقراوات مثلا، أو يقتل الرجال من ذوي الشوارب الكثة، أو يقتل أشخاصا يعملون في تنظيف السمك….. أو أو أو.
طبعا، وبعد دراسة نمطية الجرائم، يستطيع المحقق أن يحلل المجرم نفسيا، ليكتشف بأنه (مثلا) يعيد قتل أمه كل مرة يقتل شقراء، لأن الوالدة غير الرؤوم تركته طفلا على باب الملجأ، أو أنه تعرض في صغره لتجربة سيئة مع رجل كث الشوارب، وما شابه ذلك من ذكريات تؤدي الى الشذوذ النفسي، الذي قد يؤدي الى التحول من شخص سوي الى قاتل متسلسل.
وفي معظم تلك المسلسلات، تجد أن القاتل معذب وغير راض عما يفعله، لكنه عاجز عن ردع نفسه والتوقف عن القتل، لذلك، يكتشف المحقق بأن القاتل، وبشكل رمزي، يستغيث بالمحقق من أجل اكتشافه وقتله أو اعتقاله، فيضع(القاتل) مجموعة من الإشارات التي تدل على شخصه «اللئيم» لعل المحقق يلتقطها، ويخلصه من العذاب، ودائما ينجح المحقق ويكتشف القاتل.
هل ذكركم القاتل المتسلسل بشيء؟؟؟
أنا ذكّرني بالحكومات التي تبتكر انواعا من المتسلسلين، فهناك الرافع المتسلسل، المتخصص في رفع الأسعار في كل فترة، وهناك الجابي المتسلسل، الذي يزيد نسب الضرائب أنواعا ضريبة لم يفكر فيها الذباب الأزرق بعد، والهازم المتسلسل، الذي يقدم باسمك سلسلة من التنازلات الصغيرة المتكررة، التي تكتشف بعد فترة أنك – ودون أن تشعر- قد تخليت عن مجمل ثوابتك الوطنية بالتدريج ( سن سن).
الغريب في الحكومات وقاتلها المتسلسل، أنه ذات القاتل، لكنه متنوع ومتفرع فهو الرافع الجابي والهازم، …. وأنواعا اخرى تعرفونها بالتأكيد. وليس مجرد قاتل مهووس بفكرة محددة تماما، وهذا القاتل المتسلسل يشتغل على جميع الجبهات، بدون كلل ولا ملل.
الغريب ايضا أن قاتل الشعوب المتسلسل هذا، منسجم مع ذاته تماما، بالتالي لا يشعر بأي ندم أو أسف أو وخز ضمير على ضحاياه، بالتالي لا يترك وراءه آثارا تدل عليه حتى يكتشفة المحقق، لأنه بكل بساطة قاتل مكشوف ومعروف ويعمل على رؤوس الأشهاد، بقلب ميت وضمير مثقوب، لا بل أن المحقق هو واحد من معاونيه، فقط لا غير.
اذا لم نشطف البيوت العربية وننظفها من دبق القتلة المتسللين، فسوف نتحول جميعا الى ضحايا متسلسلين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى