دماء في الرابية . . وبطاقة في الجيبة . . ! / موسى العدوان

دماء في الرابية . . وبطاقة في الجيبة . . !

الجريمة النكراء التي أقدم عليها حارس السفارة الإسرائيلية في عمان يوم الأحد الماضي 23 / 7 / 2017، وأودت بحياة اثنين من المواطنين الأردنيين، لم تكن إهانة للدولة الأردنية فحسب، بل إهانة لكل أطياف الشعب الأردني. ومما يبعث على الأسى أن بعض المسئولين في الدولة المعتدى على سيادتها يبررون للقاتل فعلته.
فالقاتل هو رجل أمن إسرائيلي وليس دبلوماسيا في السفارة كما تدعي الرواية الرسمية، رغم أعلان وزير الخارجية في مؤتمره الصحفي، أن هوية القاتل في جيبه. ولكنه لم يعرضها أمام الكاميرات ووسائل الإعلام ليثبت مصداقية حديثه. فمن المعروف أن السفارات ترسل أسماء دبلوماسييها إلى وزارة الخارجية في البلد المضيف في وقت مبكر، فلماذا لم يظهر معاليه كتاب السفارة الذي يبين صفة ذلك الحارس إن كان دبلوماسيا أو غيره ؟
ومن متابعة مجريات الحادث كما نشرتها وسائل الإعلام، يتبين أن الحارس لم يكن بالوظيفة الرسمية داخل مبنى السفارة، بل كان في شقة سكنية يتحاور مع شاب عمره سبعة عشر عاما يعمل بمهنة نجار، مما أدى إلى مشاجرة اعتيادية بينهما كما يحدث بين أي شخص وصاحب مهنة تجارية.
وحتى لو أدىت تلك المشاجرة لاستفزاز الشاب، الذي لم يكن مسلحا، واضطر لاستخدام مفك كما جاء في الإدعاء، فإن هذا لا يبرر استخدام السلاح الناري من قبل الحارس وقتله، لاسيما وأنه مدرب عسكريا على عمليات الدفاع عن النفس يدويا، ويستطيع التغلب على خصمه الصغير، الذي لا يتقن أساليب العراك، ولم تكن لديه النية المسبقة لعمل إجرامي.
ثم لماذا وجه الحارس سلاحه نحو مالك الشقة وأرداه قتيلا، دون أن يكون طرفا في المشاجرة ؟ فهل كانت النية مبيتة سلفا لدى الحارس ضد المالك وهو المقصود أساسا بالعملية لأسباب لا نعلمها حاليا ؟ أم أنه فعل ذلك لتغييب الشاهد الوحيد على القضية ؟ وقد قال وزير الخارجية أن القضية جرمية، فإن كان الحال كذلك، لماذا لم تطلب الحكومة الأردنية من الحكومة الإسرائيلية، إسقاط الصفة الدبلوماسية عنه وعدم الاكتفاء باستجوابه، بل محاكمته أمام القضاء الأردني كمجرم قاتل ؟ لاسيما وأننا لم نلاحظ أي خدش أو طعنة في جسمه.
وبدلا من ذلك أفرجت الحكومة الأردنية عنه، وسمحت بمغادرته الأردن مع طاقم السفارة إلى دولته معززا مكرما، بدعوى أنه تم استجوابه بالاتفاق مع بلاده تطبيقا للقانون الدولي. وهناك في إسرائيل جري استقباله من قبل رئيس الوزراء بالأحضان والابتسامات داخل مكتبه الرسمي، شاكرا له جهوده في الدفاع عن دولة إسرائيل. ثم تركه حرا طليقا ليلتقي بصديقته، متحديا بذلك مشاعر ذوي القتلى، والشعب الأردني، ومن ساهم من المسئولين الأردنيين بخروجه من البلاد.
وتماديا في الوقاحة نشرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية اليوم، خبرا يشير بأن الحكومة الإسرائيلية تبحث مع الحكومة الأردنية، إمكانية عودة طاقم السفارة بمن فيهم القاتل نفسه إلى مقرهم في عمان. فأي صلف وأي استهتار هذا الذي يقوم بها نتن ياهو وحكومته تجاه الأردن، رغم تغنيهم بمعاهدة السلام القائمة بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية.
من المعروف أن الحكومة الأردنية بطبيعتها، تحترم القوانين الدولية وتطبقها بحذافيرها، بينما حكومة إسرائيل ترفض تطبقها إلا عندما تكون في مصلحتها. فعلى سبيل المثال : لماذا لم ترضخ إسرائيل للقانون الدولي في مقتل القاضي الأردني رائد زعيتر، الذي قتل ظلما على ضفة نهر الأردن الغربية قبل بضع سنوات، وما زالت قضيته تراوح في مكانها حتى الآن ؟ ولماذا لا تتقيد إسرائيل بالقانون الدولي عندما تقتل الأطفال المدافعين عن المسجد الأقصى في القدس، وفي مواقع أخرى من فلسطين ؟
لقد تحدث معالي وزير الخارجية في مؤتمره الصحي عن ضمانات بمحاكمة عادلة لأهالي القتلى، ولكنه لم يعلن عن ماهيتها ولا كيفية تطبيقها، في ظل وجود حكومة إسرائيلية متطرفة لا تعترف بقرارات المحكمة الدولية.
إن قتل مواطنين أردنيين بدم بارد دون ذنوب ارتكبوها، يعتبر في رأي نتن ياهو يعتبر دفاعا عن دولة إسرائيل. ومن جانب آخر لا مانع لدى حكومتنا من الانصياع للقانون الدولي وقرارات المحكمة الدولية، بما فيها من مماطلة وتسويف لسنوات طويلة وضياع لحقوق المواطنين الأردنيين. وهكذا نثبت للعالم أن : ” الإنسان أغلى ما نملك ” وأن : ” حيطنا مش واطي “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى