خيال هردبشتي / يوسف غيشان

خيال هردبشتي
قرأت في إحدى المجلاّت المتخصّصة في مجال الكمبيوتر تصريحاً لرئيس وحدة دراسة المستقبل في بريتيش بتروليوم ، بأنّ التطوّرات المتسارعة في مجال الكومبيوتر تجعل قضية (تحميل) الدماغ ( نقل الدماغ بواسطة الفلاش ميموري ) مسألة وقت ، قد تكون عشر سنوات أوعشرين ، لكنها لن تزيد عن الخمسين سنة .
سرحت ولم أكمل المقال ، وصرت أتخيّل نفسي وأنا أستمع إلى المفكر هشام غصيب مثلاً ، يشرح قضية فلسفية معقدة ، فأقول له إنّي مش فاهم عليه ، وعليه أن يأخذني ع قد عقلي .. حبة حبة ، فيبتسم الدكتور غصيب بخبث ويخرج الفلاشة من جيبه ويدسّها في مكان ما من جسدي ، فيبدأ دماغي في تحميل معلومات دماغه – المنزّل سابقاً – على الفلاش ميموري المعلقة بميدالية المفاتيح .. أرتعش قليلاً ، ثم تهدأ الأمور ، فأقول له :
– آه هيك .. دِسّها من الأوّل يا زلمة !!
تخيّلوا سهولة أن نتفاهم مع بعض ، وسهولة أن نتأكد من الثقة التي ننوي منحها للآخر.. هنا ستكون ثقة مؤكدة لأنك تعرف آليات تفكيره ، ووجهة نظره فيك تماما ، إلاّ إذا ضربكو فيروس أخو فلاته ، فصرت – أنا مثلاً – أعتبر نفسي يوسف ميخائيل غصيب ، ثم أذهب إلى الدكتور همام غصيب أطالبه بحصّتي من إرث الوالد معالي المرحوم بشارة غصيب ، فيما يفعل الدكتور هشام الشيء ذاته مع أخي نبيل ، الذي ما أن يسمع مطالبة الدكتور غصيب حتى يفقع من الضحك ويظلّ يكركر حتى تنزل (صُمّيلته).
تخيلوا أنّ قادة الدول وعند زيارة أحدهما للآخر يدسّ كلّ واحد منهم الفلاش ميموري خاصته في ثقب الآخر ، فيجلسان وهما يتناجيان وكل منهما يفهم على الآخر تمام التمام ، ويتفقان أو يختلفان بدون إمكانية حصول سوء الظنّ أو سوء النية .. أو سوء على مهلك سوء .
طبعاً سوف يقوم رئيس تحرير الصحيفة بــ دسّ (الخاير) في يو أس بي الصحفيّين ، فتلتغي إمكانية شطب المقال أو التحقيق الصحفي، ويعم الوئام والانسجام ، ثم تقوم الأجهزة الأمنية بعمل (داون لوود ) لرئيس التحرير ، فتتعرّف علينا تماما ، فتقلّ الاتهامات أو بالأحرى تتحدّد تماما .
000 رئيس الحكومة يدسّ في الوزراء!
000 الحكومة تدسّ في النوّاب والنوّاب يدسّون في الحكومة!
000 الشعب يدس في الحكومة !
000الحكومة تدسّ في الشعب !
000 و كلّه دسّ بـ دسّ !
وتنتهي مشاكلنا إلى الأبد .. واللّي بتحبل دَس ، بتولد أشكرا !!
تخيّل مدى صعوبة أن تخفي وجهة نظرك في الحكومة !!
لأ بلاها خليها في القلب تسطح .. ولا عشرة على الشجرة !!
من كتابي(هكذا تكلم هردبشت)الصادر عام2011

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى