خيار الإنجليزية و خيار العربية!!!

خيار الإنجليزية و خيار العربية!!!
الدكتور ناصر نايف البزور
ليس الموضوع عن الخيار و الفقّوس و البندورة هذه المرّة كما قد يتبادر للبعض عند قراءة العنوان؛ فخيارنا و خيارهم ليس واحداً في كثير من الأحيان 🙂 ومع أنّ الخوض في الخضار و الفواكه حديث ذو شجون؛ إلاّ أنّ قضيّتنا اليوم تنصبُّ حول موضوع آخر و هو اكتساب و تعلّم و تعليم اللغات الأم و الأجنبية…
فلعلَّ الكثير من المتعلّمين على دراية تامّة بالحديث النبوي الشريف الذي يرويه أبو هريرة كما في صحيح الإمام البخاري إذ يصف عليه السلام خيار الناس و معادنهم فيقول: “خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”!!! ذلك أنّ المنظومة الفكرية و الأخلاقية الإنسانية واحدة في جوهرها؛ فمَن كان مِن خيار الجاهلية أخلاقاً أو علماً بقي من خيار الناس بعد فجر الإسلام و اعتناقه للدين الحق؛ و هذا مصداق قوله عليه السلام: “إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق”!!!
وهذا المبدأ يكاد ينطبق إلى حدٍ كبير على اكتساب و تعلّم اللغات الأجنبية لأنَّ النظرية اللغوية الحديثة التي أسّس قواعدها الأسطورة نعوم تشومسكي تقوم على فكرةِ وحدة النظام اللغوي في العقل و الذي يقوم بدوره بتفعيل تعلُّم و اكتساب أيّة لغة…
و مِن هنا يمكننا المزاوجة بين النظرية اللغوية بمنهجها العلمي و الحديث النبوي السابق الذكر “خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا” لتكون “خيارنا في الإنجليزية خيارنا في العربية إذا فقهنا”؛ و هي عبارة سمعتها قبل عقدٍ من الزمن من أحد أعلام اللغويات في الوطن العربي، الأستاذ الدكتور فواز العبد الحق، أطال الله عمره…
ما دفعني لإثارة هذا الموضوع مراراً هو تدهور حال العربية الفصحى بين “دكاترة” الجامعات نُطقاً، و نحواً، و صرفاً بل و حتّى من ناحية الإملاء البسيط…
المصيبة هي أنّ معظم هؤلاء الأساتذة كلّما قلنا لهم أنَّ عربيتهم هزيلة و أنّه يجب عليهم تحسينها، قاموا بفبركة الأعذار السقيمة و على رأسها عذرٌ أقبح من ذنب يقول: و الله كانت عربيتنا قويّة في السابق و لكنّها تدهورت بعد سفرنا للدراسة في أمريكا أو بريطانيا… مع أنّ إنجليزيتهم “سخام و هباب” أيضاً 🙁
و هذا مدعاةٌ للسخرية و الضحك لأنّ من كانت عربيته سليمة زادت متانةً و دقّةً و جمالاً إذا سافر و تعلّم لغات أجنبية أخرى… و قد جرّبتُ هذا بنفسي؛ فعربيّتي ساعدتني كثيراً في إتقان الإنجليزية؛ و في الوقت نفسه كان لتعلّمي اللغة الإنجليزية و تعمّقي في بحورها دور كبير في تحسين و صقل مهاراتي في إتقان العربية… و هذا ما قاله يوماً الأستاذ الدكتور محمّد فرغل إذ أقسم أنّه ما تعلّم العربية و أتقنها إلاّ بعد أن أتقن الإنجليزية….. 🙂
فكفانا كذباً على أنفسنا و لنحاول أن نجتهد قليلاً لعلّ خيارنا يصبح كخيارهم… و في النهاية “أهو كلّو خيار” 🙂 و الله أعلم و أحكم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى