خليل القنصل …وداعا / يوسف غيشان

خليل القنصل …وداعا

أتحدث عن صديقي الراحل المهندس خليل القنصل الذي غادرنا جسديا في بحر الأسبوع الفائت…أتحدث عن طيب الفكر وعميق التأثير…. عن الفتى الطيب دائم الاخضرار، عن الطفل الكبير الذي غادرنا عن 81 عاما.
..عام 1954، اعتقلوه مع الكثيرين غيره، إثر مظاهرات عمّت المملكة في ذلك الوقت. واطلق عليه عسكري بدوي لقب “شو إن لاي” بسبب قصر قامته التي تقارب قامة الزعيم الصيني. كان شابا جريئا ومتفائلا، وقد حيّر السجانين لأنه كان يستمر في الضحك بينما هو معلق بالشقلوب ، ورأسه إلى الأسفل…. لكن رأسه كان الأعلى دائما.
ذلك الفتى دائم الاخضرار. خليل القنصل….. ظل شابا من ذلك الوقت حتى الشهقة الأخيرة….ربما زاد عمره الزمني عنا بعقدين أو اكثر، لكنه كان أكثرنا حيوية ونشاطا وفاعلية.
ربما كان أقصرنا قامة، لكنه كان أطولنا ظلا وتأثيرا فاعلا وإيجابيا، وبالطبع أكثرنا كرما….. لكنه كان اكثر أهل الأرض عشقا لقلايات البندورة .
ربما كان يتخيل الكون على شكل قلاية بندورة مقلوبة، لذلك كان أول من بادر لتشكيل (جمعية الفلك الأردنية ) وترأسها، وبعدها بادر بتشكيل الاتحاد العربي لعلوم الفضاء وترأسه وتسلم أمانته العامة وكان رئيسا لتحرير مجلة “الكون” التي يصدرها الاتحاد، حتى رحيله. وكان خليل القنصل يتنقل من بلد عربي إلى أخر ويحثهم على إنشاء فروع للاتحاد العربي لعلوم الفضاء، وكان يصرف من أمواله الخاصة في كثير من الأحيان….أمواله التي كان يحصّلها بعرق جبينه من خلال عمله مهندسا للبترول في سلطة المصادر الطبيعية.
أمواله الخاصة؟؟؟؟
لم يكن لخليل القنصل أموالا خاصة، لأنه كان يستخدمها دوما في خدمة العلم والثقافة (وقلايات البندورة طبعا) كان يشتري الكتب بالعشرات من المؤلفين ( كنت احدهم) ويوزعها على المعارف والمهتمين ومجانا، وكان يصور الأبحاث وأوراق العمل ويوزعها…لا بل انه اصدر كتابا تضمن مذكرات وقصائد جده الشاعر سالم القنصل… ووزعه مجانا، بالتأكيد.
من أمواله الخاصة تلك اخذ خليل القنصل على عاتقه إصدار مذكرات الراحل المناضل جلال النحاس الفتى المادبي الذي قضى حياته فدائيا في صفوف المقاومة الفلسطينية وقام وأشرف على الكثير من العمليات الفدائية ضد العدو المحتل، وكان كاتبا موهوبا ، لكنه استبدل القلم بالبندقية ، وترك وراءه الكثير من الأوراق المبعثرة، ومنعه شيق الحال عن إصدارها على شكل رواية أو مذكرات.
هنا جاء دور خليل القنصل الذي جمع تلك الأوراق وحررها(كان لي دور متواضع جدا في عملية التحرير) وأصدرها على شكل كتاب، ووزعه مجانا طبعا.
خلال حياته لم ينقطع قط عن زيارة رفاقه القدامى في مرضهم أو عزلتهم أعرف منهم الدكتور عبد الرحمن شقير والدكتور يعقوب زيادين والصحفي العريق مسلم بسيسو. وظل يعودهم حتى الرمق الأخير.
بالتأكيد هناك الكثيرين غيرهم، وبالتأكيد فإن لخليل القنصل الكثير من المآثر المعنوية والمادية على الآخرين ما عرفتها. لم يكن القنصل من المتبجحين قط. كان دوما يعمل بصمت. ولا يطلب سوى قلاية بندورة يفترسها مع الآخرين.
خليل القنصل….. صديقنا الرائع…وداعا.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى