خرط…بخرط ! / م . عبدالكريم أبو زنيمه

خرط…بخرط !

يُحكى أنَّ رجُلاً مجهول النَّسب قدِم على قوم ، وكانَ مِن عادة العرب أن لاتسأل ضيفها عن اسمه أو مَقصدهِ من وراء الزيارة إلا إذا قامَ هو بذلك ، ومع بدايةِ السَمر بعدَ العَشاء بدأ الضيفُ بالتعريفِ عَن نفسهِ وروى خِلال الحَديثِ قصصاً خيالية تَصِف مَدى كَرم وغِنى أهلهِ ،
وبطبيعةِ الحال لم يُصدِقهُ المستمعون إليه ، ومن جملة ما قال أنَّهُ كان لجده قِدر(جدر) نُحاسيّ كبير يتسع لالف ذبيحة ويتعاون على حملهِ خمسمائة فارس وكانَ يُعَدُ فيه ما يكفي لإطعام أكثر من (10000) ضيف ، كان يحكي ويتفاعل مع قصته والمجتمعون يتغامزونَ ويلمزون عليه ،
وما أن توقفَ لبرهةٍ حتى إستلم الحديث أحد “المعازيب” قائلاً : يا ضيف الرحمن ، كُنا نسير وعددنا بحدودِ ألف فارس وفي الطريق صادفنا صيداً وفيراً..سحبت بندقيتي وحشوتها بالبارود وأطلقت الطلقة..تسابق الفرسان لجمعِ الصيد الذي أصبته..300غزال..
وهنا انتفضَ الضيف قائلاً: أوف 300 بطلقة واحدة ! ويرُد المعزب..أيوه بطلقة وحدة ويضيف و ألف ارنب..
الضيف:أوف أوف بطلقة واحدة..
المعزب : بطلقة واحدة..ويضيف وعشر آلاف طير شنير…
الضيف :أوف أوف أوف يا رجل هوّن ! كله هذا بطلقة واحدة !!! يا لطيف وقول لي يا معزب الرحمن ، كيف طبختوا كل هذا الصيد ؟
هنا تبسم المعزب واجابه : بقدر(بجدر) جدك يا ضيف الرحمن !
هذه الحكايات وهذا الخَرط سئمنا من سماعهِ ! سمعنا هذا الخرط وهذا التهويل قبيل التوقيع على معاهداتِ الذُل بأنَّها ستجلبُ لنا المَنَ والسلوى وما جلبت لنا إلا الذلَّ والعار وخراب الديار ، سمعنا هكذا خرط عند هجمةِ الخصخصة وبيعِ كُل ممتلكات الدولة فكانت الكذبة وقتها بأنَّ العائدات ستسدد المديونية وتعدل الموازنة ! وما جلبت لنا الا إختلاس العائدات وتهريبها للخارج ، سَمعنا الخرط عند إنخراطنا في مشاريع تفتيت الدول الشقيقة القريبة والبعيدة بأنَّ حدودنا ستتغير وجغرافيتنا ستتوسع وما طالنا إلا الإنهيار الإقتصادي والإمعان في إذلالنا للتوقيع على المزيد والمزيد مِن مُعاهدات واتفاقيات التفريط بسيادتنا ، سمعنا الخرط عند فرضِ المزيد والمزيد من الضرائب بأنَّها ستحققُ الإنتعاش وسنشعر برغدِ العيش ونخرج من رطوبةِ قعرِ الزجاجة وكل ما شعرنا ونشعر به هو البرد القارس والجوع المُهلك ومذلةِ الحياة.
سئمنا يا ضيفَ الرحمن وما أكثركم من ضيوف ! سئمنا الخرط واللف والدوران ! مديونيتنا يا ضيف الرحمن مُهرَّبة للخارجِ ومُكدّسة في البنوكِ الغربية وقسمٌ آخر منها موزعٌ في أجملِ ربوعنا.. قصور وفلل واستثمارات..وسيارات فارهة تسيرُ على أنين وآلامِ الجياع والمرضى .. وقسمٌ منها ما يفضح أكثر مما يستر من عوراتِ نسائكم في حفلاتكم الخاصة ، يا ضيفَ الرحمن سنُسَرُ بحكاياتِ قِدر جدي وجدك الصادقة عندما نرى بأمُ أعيُننا أولئك الذين تطاولوا على صيدِ بلادي الوفير وهُم يرزحونَ خلفَ القُضبان مُقطعي الأيدي ..عندها سيحلو السمر وتطيبُ الحياة !
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى